في حياة كلِّ أُمٍ تناقضاتٌ مُحيّرةٌ تُثيرُ الدّهشة.
قد نسرقُ لُقمةً على السّرير، ونسترقُ غفوةً على مائدةِ الطّعام!
تمرُّ بنا أيّامٌ نشعرُ فيها بأنَّنا روبوتاتٌ حقيقيّة، صورةً وصوتاً ومشاعر، أسئلةً وأجوبةً وسرائر، تصبحُ روردٌ أفعالنا آليّةً جداً، نعرفُ السؤالَ قبل أن يُسأل، ونجيبُه أيضاً، نشتري راحةَ البال التي لا تُشترى، ندرأُ المفاسدَ التي لا تُدرأ.
على أعتابِ منتصفِ العمرِ مودّعاً رونقَ الحياة ننظرُ نظرةَ مودِّعٍ لجُلِّ ما مضى، نتحدّى بعزيمةٍ وثباتٍ كلَّ ما يأتي، زادُنا بضعُ هواياتٍ وبعضُ مهاراتٍ وجبالُ دعواتٍ من الأمهات، وأحلامٌ ودُعاءٌ وسعيٌ لصلاح الأبناء.
يُزعجنا إغلاقُ بعض الدفاتر، وخنقُ كثيرٍ من الرَّغبات، لا تروقُنا فكرةُ أنّنا نكبر، تُزعجنا الثلاثون، تُقلقنا الأربعون، بلا شك وتُرعبنا الخمسون لأنَّ قلوبنا ما زالت تخفقُ كما الأطفال كلّما مررنا حذاءَ مدينةِ الألعاب، نحبُّ غزلَ البنات، وأفلام الكرتون، وأغاني الصّغار، حُباً لم تغيّره الأيّام، فلا تظهرُ على ملامحه تجعيدةُ جلدٍ ولا شيبةُ شَعر، حبٌّ كقوسِ قزحٍ زاهٍ يسرُّ النَّاظرين.
أحمدُ الله كلَّ يومٍ على نعمةِ الكتابةِ ونعمةِ القراءةِ ونعمةِ اليوتيوب أيضاً.
أحمدهُ على هذهِ الشبكات، كيف قرّبت البَعيد وذلّلت المستحيل، كيف أهدتنا جميل الصّداقات، وكانت لنا نزهةً ومتنفّس.
أحمدهُ أن جعلَ لنا في التعلّمِ عن بُعدٍ قرَّةَ أعين.
أحمده على عجلةِ الروتين الأسبوعيّ لا تتغيرُ وتستعجلنا للإنجازِ أكثرَ فأكثر.
لقد كانت جمعةً غير عاديةٍ: تشبه كثيراً من جُمعات الأمهات، تندلعُ الحربُ صباحاً في دورةِ المياهِ بين الطّفلين.
: لماذا تستخدم فرشاة الأسنان خاصتي؟
السؤال الصّعب المتكرر كلّ مرّة: لماذا نملكُ في كأسنا فرشاتَين زيادة يا أمي؟!
: لا أعرف، عادة سيئةٌ قديمةٌ متوارثةٌ عند العائلة.
نتباهى بعدد فراشي الأسنان، ولا يمنعُ ذلك تسابقنا لعيادات أطبائها!
ذاتُ المشهد البانوراميّ العجيب “جُمْعَتَوِيّاً”، تتسابقُ لهفةً إليكِ مهامُّ الترتيبِ والتنظيفِ ولا مهرب، تتأملين عصى الأُمِّ الساحرةِ الألف مكسورةً غصباً وَغضباً!
نتسمّر لحظةً وتستمر الحياة، شئنا أم أبينا تستمر.
حرّر على أطلال جُمعة.