كعادتها، اندلعت النيران كلمح بالبصر، وهرع المهجَّرون والمهاجرون معًا إلى شرفة البيت الذي لم يكن منزلًا قط لطبيعة الحال اللّاطبيعيّة المتشبثة بمعظم الأناسيّ آنذلك، وراح الجميع ينادي بهلع: “نار.. نار”.. إلا أنّ أحدًا من المشاة لم يكترث، لم يعر اهتمامًا ولم تأخذه الحميّة، ولم تسترع انتباهه نداءات النجدة واستجداءات المساعدة.
ليس نشوب حريق أمرًا عاديًّا، وليس الجميع قد جُبِل على التردّد تجاه ما لا يعرف ومن ليس يعرف، ولكنّ المستغيث كان ينادي المستغاث به آنذاك بلغته الخاصّة التي ليس لها السامع بعارف.
تُعرف فاكهة الرمّان في تلكم البلاد باسم: نار، فكان من المنطقيّ أن يتأخّر عابرو الطريق وساكنو الحي في فهم الإشارة لاستجابة معالجة خرق السفينة قبيل أن تغرق؛ وليس كلّ خرقٍ في السفائن بمُغرِقٍ لمن ليس يعلم.
لكلٍّ منّا في هذه الرحلة لغاته التي لها يتقن، كيف لصميم اللّغو أن يتحوّل مع الإرادة والممارسة والتنمية صنعةً واتقانًا وحرفة.. هل سندرك؟
قد لا تشبه لغتي لغتك، لكنّ لسان الحالَيْن يُحدّث أنّ الوجهة واحدة والله أعلم ويعلم.
بين ما يحبّ المرء وما يحبّه ومن يحبّ ومن يحبّه تتأرجح أعمارٌ وأسفارٌ والسعيد من تصبّر على المواصلة دونما ململةٍ من التأرجح علّه يقدر. حولي وحولك ألسنةٌ ولغاتٌ يفرقها فصيح القول وتجمعها البلاغة.
ثمّة وشمٌ بين عيْنَيْ روحك تراه من حيث لا يراه راءٍ، ألمٌ مُلِحّ تجاهده لا تفلح بطبابته العقاقير وليست صنوف المناجاة ودعوات الصلوات وتأمّلات الخلوات على استئصاله من بين عشرات مسرّات سويعات التسليم والعبودية تقدر.
ثمّة إيمانٌ أنّ الكائنات والمكوّنات والمكنونات وما قبلها وبينها وبعدها إنّما هي بأمره، وثمّة حمدٌ أن كرّمنا وأنعم علينا بيقينٍ خالصٍ مثل ذلك.
حياتنا مسافاتٌ وبِيَنٌ فيزيائية كيميائية، وسيميائية كذلك. المسافة بين البيون معرفةٌ ليس تُنكَر، حقيقةٌ قاطعةٌ مقطوعةٌ لا بدّ منها، تقطعها بالرضى رُغَيْم كلّ ما علُم ويُعلَم، أو تُقطع رغمًا عن أنف الكِبْر بالسّخط رغم كلّ من جَهل ويَجهَل.
المسافة التدبُّريّة بين: “كُنْ فَيَكُونُ” ذاتها بين: “قَدَّرَ فَهَدَىٰ”، وهي ذاتها بين: “يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ”، وما بين:”زُلْزِلَتِ الأرْضُ.. لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ”.
يُعرف الموصوف ببلاغة ما وُصف به فتحفّ الصّفاتُ الأسماء بتبيان إعجاز اللّطائف، أنّى تأمّلت آي الكريم ستجد ترجمان العروة الوثقى جليًّا يتباهى في المجرّة.
عجبًا لمن ليس يدري من أين جاء وإلام يذهب حتّام ما بين التُّرَّهات يتغافل عن الفهم السليم ويكسل، عجبًا لعابر سبيلٍ لا يفقه لسان دربه، ولمستظلٍّ تحت شجرةٍ لا يعي بيان ربّه ولغة عقله وقلبه.