: “صوّرني وأنا مو منتبه”…
لعلّ أعجب ما بين جعبة كُليمات الطلب حرص الطالب ما استطاع على رسم بسمة أو بُسيمة أو أيّ تعبيرٍ يوحي لمتأمّل تفاصيل الصورة أنّ سرورًا ما قد كان وأنّ طمأنينةً ما ربّما ستكون لاحقًا.
أيًّا يكن، منتبهين أو كيفما اتفق، اتفق أولئك الذين لم يتفقوا عقودًا ثقيلةً على أنّ البسمة التي ارتسمت على محيّا جميع المرئيات والمسموعات والمكتوبات والإبداعيات وكلّ أشكال الصور منذ فجر الكرامة ذلك: بسمة حمدٍ وشكرٍ على اختلاف المعنَيَيْن والمعنِيّيِن في آن واحد.
منتبهًا أو غير منتبه، ستجدني ما تبقّى من العمر في كل تفاصيل الحياة مبتسمًا. ابتساماتنا حتّى الممات تحديث منقطع النظير للعالم بأسره عن عظيم ما أنعم علينا به الوهّاب ذو القوّة المتين وأكرم.
الحمد لمن علّمنا بالألم ما لم نتعلّمه بالقلم، الحمد للباسط من بعد قبض لحكمة ليس غيره لها بعالم، والشكر للمعطي الحنّان من بعد منعٍ لعلم علمنا ليس له بمُدرك، سبحانه من ردّ الديار سالمة من الطغيان إلى أهلها قُبيل أن يردّهم غانمين إليها من بعد آلامٍ لم تُستثن من تذوّقها عافية.
يتسابق الغفران والاستغفار في مضمار التسليم إلا أنّ التسبيح يسبق، نهاية المجاهدات الأليمة كريمةٌ عظيمةٌ دومًا، نبوءة هذه البلاد وبلوغها أشدّها أشهد كلّ ذي قلب دقيق المعاني والحكم: المتأمّل متألّمٌ وليس كلّ متألّمٍ بذلك.
ثمّة آحادٌ بين ذكرياتك لا يعرف عنها أحد، ثمّة سَحَر في الذاكرة لا تشبهه الأسحار وحدك تعرف ما وراءه ومن. فجر ولادة السنا والإيمان، وفجر ميلاد الشآم، وفجر مولد السلام، جميعها بلا تواعد كانت فجر أحد فجر الأحد.
يشبه فجر السوريين الأبهى فجر ولادة سنا، ليس لأنها ذهبت بالقلوب ولا لأنها جاءت قطعة البازل المفقودة زمنًا من الروح، ليس لأنها الحفيدة الأولى، وليس لأنها أقحوانة السعد بنكهة أُمامة، إنّما لأنها حلوى القطن التي ضممتها إلى جنبيّ هامسةً ذات سكونٍ في أسبوعها الأول: صديقة العمر على بعد شبر مكانٍ وشَهرَيْ زمانٍ ليس أكثر، فهمست لي قُبيل تعلّم الهمس تلك التي ليست بغير الطمأنينة تنبس: الصديقة ستكرمك بلقب ماما، وصدّيقتها ستنعّمك بلقب خالة، الأوّل قيادةٌ والثاني قلادة.
تقلّدنا المسميات جديد المسؤوليات وتعيد لنا التموضع عبر العبر، خلف بهجة انضمام الشعر إلى الأشعار مشاعر، وراء التشريف تكليفٌ لو أنّا ندرك عظيم ذلك، المتألّم متعلّم وليس الكل موفّق لذلك.
ربما أشبه فجر الثامن من كانون الأول غيضًا من فيض خيالات الشرب من الحوض إلى بهجة عبور الصراط المستقيم حتى الترقّب معًا لتفتّح أبواب الجنة الثمانية.
فجرٌ لم يشبه أيّ فرحٍ عشناه من قبل وليس أيُّ فرح من بعده لما عايشناه بين ثوانيه سيشبه إلى ما لا نهاية.
فجر الفتح المبين الذي حيزت لنا فيه الدنيا بحذافيرها، وتنفّس صبحه معنا تسبيح الأرض والسماوات السبع ومن فيهنّ خفّاقًا: أصبحنا وأصبح الملك لله، فجر ليلة أشبهت ليلة القدر فكان مطلعها السلام.
فجر فرجٍ ويسرٍ عمّ من بعد عُسر بالعباد قد أحاط، فجر سلام تنزّل فيه السلام بأمر السلام، فجرٌ تفجّرت بعده أسرار الحكاية: ربّ خيرٍ وُلِد من رحم شر.