في ذلك الفجر السليم، انفلق الأَحَدُ على ثغور المرابطين بالفتح والنصر المبين، واستيقظ أولئك الذين لم يعرفوا طعم النوم منذ أمدٍ بعيدٍ على هديّة تمام النِّعَم وهداية استقامة الطريق، وقامت قيامة الصوت في تلكم البلاد التي حُبِس صوتها في غياهب العبرات عقودًا ثقيلة.
بحثت بين العيون والضحكات والعناقات، وما بين أهازيج الفرح وتفانين الرقصات علّي أراك، ركضت في الساحات وإلى المساحات أنشدك، وأترقب حضنك كما كان الجميع لاحتضان المغيّبين في زنازين فرعون الشآم يرقب.
تساءلت إن كان من المنطقيّ عناق بُنيّة الخمس سنيّ وقد صيّرتها سنون الفقد جَدّة؟
تساءلت إن كانت تلكم الأكتاف بنفس القوة والدفء الذي له أذكر؟
وتساءلتُ.. إن كانت ليالي العمر الآتية ستتسع لسرد ذكرياتنا ونحن ندعو ليلةً بعد ليلةٍ أن يردّك الله إلى أهليك وديارك سالمًا غانمًا معافىً، مع السالمين الغانمين غير الخزايا ولا المفتونين.
أيّ خزيٍ أعظم من سلب الطفولة أمانها الأوّل في الحياة بأن تحياها بين رحمات الوالدَيْن ليس أكثر؟
أيّ فتنةٍ أكبر من قتل عافية الأنفس والأبدان بنفث سُمِّ الجوع وسَموم الخوف بين البشر وكأنّ نداء الحق لم يصدح فوق منابر النور ألفًا وأربعمائة عام سلامًا من بعد سلامٍ صلاةً تعقبها صلاة: الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر: لم أجدك..
الله أكبر: ربما.. لن…
ربما كان لزامًا عليّ تقبّل الحقيقة مذ وضعت أمّي أخي..
أنّي مثله! يتيمة مثله، مثلهما، مثل كوثر، ظلمًا وعدوانًا وأقهر.
ستجدني..
بالتأكيد: سَ!
ستجدني في بسمات الشاكرين وفي ركعات الراضين المتصبّرين، وفي سجدات المسبّحين الحامدين، مُسلّمةً أمري لمن له يُرجع الأمر كلّه.
هنالك نلتقيك..
نلتقي حتمًا هناك، في ذلك الخلود الذي أراه قريبًا..
سنلتقي من بعد غصّة ليس تُنسيها النّعم..
هناك أخبرك:
كيف يعني أن فقدتك؟
كيف أنّي كم دعوتك؟
كيف يبدو أن رجوتك؟
كيفَ أحضانُ الخليقة لم تكن شيئًا كحضنك.
كيف أطفأنا الشتات..
كيف أضنانا الحنين..
كم حلمنا أن يصير الصبر جبرًا.. ها هناك..
أن يهزّ الصوت صمتًا..
أن يعمّ السعد دومًا..
أن تنادي في جنان الخلد طفلة:
“بابا، اشتقتلك، كتير كتير اشتقتلك”.
#شفاء_داود
الجمعة 13-12-2024