يزورنا شعورٌ لطيفٌ جدًا في كلّ مرّة يطلب بها الأبناء طعامًا بعينه. فكأنّ كلّ تفصيلٍ من تفاصيل التحضير تخبر عن نفسها: صنع بفيضٍ من حب، وكأنّ التنعّم بملامح الرضا والبهجة على صفحات وجوههم الغضّة أثناء تناوله يسافر بنا عبر الزمن لمقولة الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه: “فشرب حتى رضيت”.
لله في خلقه شؤونٌ سبحانه، كيف تنجب ذات الرحم شخصيّات لا تشبه بعضها البتة. عجبت للطفلين كيف تحبّ الصبيّة أن تتناول على الفطور كعكًا إنجليزيًا مع فنجان قهوة، في حين يحبّ الصبيّ أن يتناول فطورًا شرقيًّا معتبرًا ممدودًا على جريدةٍ أو حصيرةٍ مع ما تيسّر من كاسات شايٍ صغيرة.
الطريقة التي يتنقد فيها الثاني كل أنواع محاولات والدته الطبخيّة بلا استثناء تجعلها في حالة شوقٍ مستمرٍ لا إراديٍّ لمعرفة شريكة حياة المستقبل.
أريد أن أعرف كيف ستضبط له ومعه المعايير المطبخيّة، هل سيجرؤ مشاغبنا العزيز يومًا أن يصارح بدر التمام خاصّته أنّ: “معكرونتها معكرنة”! مثلًا؟
لست بصدد شرح مفردة: “معكرنة” حاليًا فذاك حديثٌ ذو شجون قد يطول، يكفيني وجدانيًا مشاركة الشعور العجيب الذي اعترى القارئ أثناء تأمّلها أوّل مرّة مثلما فعل مع الكاتب أيضًا.
كثيرًا ما أحاول كتم ضحكتي أثناء سماع تعليقاته التي لا تنتهي، وكأنه موعودٌ بجائزة تزداد قيمتها كلما ازدادت مفردات النقد على المائدة، لا أفهم بعد كيف يجهد ويسعد الصبيان منذ فتوّتهم كي يكونوا رجالًا ما اسطاعوا وما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
في البيت رجلٌ حقيقي، يستطيع نقده السلبي أن يعكرنك أقصد يعكّرك في حين لا تملكين تصديقًا للنقد الإيجابي لكثرة الصدمات العكرنيّة السابقة.
ليت فلذات الأكباد يدركون كيف أنّنا نعدّ ما يحبّون بكلّ سرورٍ واحتفاءٍ ورغبةٍ ودعاء، وكم تكون سعادتنا بالغة بهم وهم يكبرون بيننا عكرنةً بعد عكرنة.
وليتنا ندرك أنّهم ضيوفٌ رحّلٌ عمّا قريبٍ إلى بيوت جديدةٍ مُغادرة، وأنّ كُليماتهم الحلوة اليوم ذكرياتنا الأحلى غدًا.
ضمن سلسلة:
– ما لا تعرفونه عن أحمد