كانا مُنهكَيْن في عوالم متوازية، مُنهمكيْن في أضداد كونيّةٍ لا تجتمع، قال القمر قولةً حتميّةً في تلك الرواية: رغم القهر ورغم الهجر ورغم الصبر لا بدّ مهما شقّ الأمر وضاق الصدر من إكمال المسير.
كانت تتأمّل الحياة من بعيد، تتبسّم ابتسامةً لا شرح لها كحاجةٍ في نفس يعقوب.. كلّما دعا أن تنهمر السماء عليه كنوزًا عمّا قريب، وكلّما انتظر عبثًا أن تظلّهُ من هجير الشمس غيمة ذهبٍ ماطرة كمعجزة، وكلّما أُنسيَ بالأوهام خمسَهُ ونسيَ بالأحلامِ نفسهُ مُضيّعًا يومه وأمسه متناسيًا أُناسه وأنفاسه متمنّيًا عجزًا على الله الأماني.
تكتحلُ بالإيمان كلّ يمانٍ وبيانٍ فيُسرّها حجر الإثمد بيقينٍ بليغ: العَجْزُ لا يأتي بمُعجزة.
بهدوءٍ مهيبٍ وصمتٍ رهيبٍ كانت تظلّل بذراعيها معجزاتٍ تصنعها بعزمٍ وحزمٍ براحتيها على ذات الطريق، ملءُ عينها اليمنى: “يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة” وملءُ اليسرى: “وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد” ¹.
لم تعتب على الزرقاء احتباس السرّ بين حنانيها يومًا رغم كُلّ آلام الحنين وَكَلّ آمال السنين، بل كانت ممتنّةً تشكرها كلّ صفحٍ وكلّ صبحٍ لأنها بدلًا من أن تمطرها بالذهب لحظةً في العمر أمطرتها طيلة الساعات بالياسمين، ومن لا يهوى الياسمين؟
⁽¹⁾ سورة مريم، سورة سبأ.