هل حدث وأن أصبحت في قارّةٍ وأمسيت في قارّة لا تمتّ إليها بِصِلَة؟ هل يوجد بين بعض القارات صلاتٌ لا توجد بين البعض الآخر؟
هل حدث وأن حلمت بلقاءٍ لا تعرف له توقيتًا أصدق من يقينك أنّه سيكون؟ هل تستحضر معنى اليقين في كلّ سكنة من سكنات حياتك؟
هل حدث وأن استيقظت على نداءٍ وعناقٍ يضمّ شتات روحك وكأنّه يقول: اطمئن، أنتما معًا الآن، هذه الضمّة ليست حلمًا، هذا الحضن ليس سرابًا. عانقه ما شئت وليحتضنك ما شاء.
هل حدث وأن مللت روتين حياتك تحت ظلّ عائلتك الأم وتمنّيت أن تؤسس أسرتك المستقلة، وكان لك ذلك، ثمّ وجدت نفسك بعد حينٍ ليس ببعيدٍ تحنّ أحيانًا لما ما مللته قبل حين!
هل حدث أن فارقت إخوتك الذين كنت تعيش معهم تحت سقفٍ واحدٍ فراقًا تمرّ خلاله الأعوام تلو الأعوام فيكثر الأطفال وتتغيّر الأطوال ولا لقاء ولا بصيص أمل! هل للأمل بصيصٌ حقًا؟ هل يُرى بالعين المجرّدة؟
هل حدث أن كانت كُن وكان في ليلةٍ قمراء زفاف الأمل؟ هل حدث أن ارتفعت الزغاريد لذلك الزفاف؟
هل حدث أن تواعدتم من خمس مدنٍ حول العالم على لقاءٍ في مدينةٍ سادسة تمتُّ إليكم جميعًا بِصِلَة، هل نتصل اتصالًا حميميًا وثيقًا ببعض المدن حقًا؟ لماذا؟ هل رحتم تعدّون الليالي شوقًا لتلك اللّمة التي بعدما سئمتموها أدركتم سأم الحياة بَعدها في بُعدها.
هل حدث وأن استمتعتم بالضجيج رغم انتمائكم للعزلة؟ هل حدث وأن تقبّلتم الفوضى رغم تقديسكم للترتيب؟ هل حدث وأن استمتعتم بلقب خالة وخالو وعمة وعمو رغم أنها تؤكد حقيقة أنكم أصبحتم كبارًا رغمًا عنكم؟ هل حدث وأن شعرتم بأنّ يومًا في العمر كان طويلًا كألف يوم؟ هل حدث وأن تمنّيتم ألّا ينتهي؟ هل حدث أن لم تناموا خشية أن ينتهي ذلك اليوم ويصبح في عداد الذكريات بعدما كان حاضرًا يشفي القلوب ويبهج النظر؟ هل حدث وأن عرفتم أنّ للقبلات بعد شوقٍ طعمٌ طيّبٌ مختلف؟ مختلفٌ جدًا. هل حدث وأن تعرّفتم على مولودٍ في العائلة عدد الأيام منذ ميلاده يساوي عدد السنين منذ ميلادكم؟ هل حدث وأن لهجت ألسنتكم بالحمد عدد الثواني امتنانًا على تيسير اللقاء أخيرًا؟
رزقكم الرزاق ذلك وأكثر، حدث لنا اليوم كلّ ذلك، وكان فضل الله علينا عظيمًا.
الحمدُلله كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.