يعمُّ الصخبُ ما حولنا رغمًا عنّا في مرحلة من العمر وأحيانًا في مراحل، البعض يمضي عمره كله مثل ذلك بلا هدوء، نرمي الأسباب على المحيط ولا أسهل من رمي التهم لتبرئة الذات من الحقائق التي نغضّ الطرف عنها في حين أنه لا يُغض، عوالمنا في الحياة لها ضوضاءٌ عامّة يستمع إليها الجميع ولنا في أنفسنا عوالم خاصة لها ضوضاءها التي لا يسمعها أحدٌ سوانا والثانية أشدّ وطأةً على النفس وأقسى.
أنت تسمع أصواتًا من الداخل ومن الخارج طيلة الوقت، أصواتٌ تنادي، تشجّع، تعاتب، تسخر، تنهر، تستنفر تستفسر تزأر، أصواتٌ تبكي تشكي، تئنُّ تحنُّ تجن، أصواتٌ لها هدفٌ واحدٌ دومًا أيًا كان مصدر انبعاث الصوت، أصواتٌ تريد دفعك لغاية التحريك من مكانٍ لآخر ومن حالٍ إلى أحوالٍ بصرف النظر عن النوايا، عن اتجاه الدفع إن كان نحو القمّة أو القاع.
تتسامى الحواس بين البشر تساميًا متفاوتًا خلّابًا، فمثلما يبصر البعض الصورة بفؤاده قبل أن يبصر بعينيه، يسمع البعض الصوت بجنانه قبل أن يسمع بأذنيه.
أنت تسمع ما حييت، تسمع كلماتٍ لا تعرف لها مصدر، تسمع صورًا، تسمعُ بطرقٍ شتّى، تسمعُ وتستمتع كلّ حين، للحظةٍ تتمنى أن تسكن أصوات العالمين لحظة، لحظة واحدة فحسب، تتمنى أن تسمع الأصوات صوتك أيضًا أنت الذي لطالما استمعت بحبٍ للجميع، ليسمعوني ولو مرّة: أنا تعبت، تعبت كثيرًا أيتها الحياة العجيبة التي مازلت أحبّها، رغم أنها أعتبتني وأتعبتني.