كان يا ما كان الأسماء، كان يا ما كان الأحلام.
سمعت في طفولتي كثيرًا من أسماء الأدوية، كان لدينا خزانة مليئة بعينات طبية مجانية غير مخصصة للبيع ولم أفهم سببًا لذلك، كبرت قليلًا فعرفت أنّني ابنة صيدلاني، وأن تلك الأسماء جزءٌ لا يتجزّأ من حياتنا على ما يبدو، كنت مسؤولةً عن ترتيب تلك الخزانة، كان يمازحني قائلًا: يبدو أنّك ستصبحين طبيبة، بدأت بحفظ الأسماء بالفعل، حتى أن الفضول دفعني للاستفسار وسؤاله عن الفرق بين هذا وذاك واستخداماتهم، في خزانتنا إبرٌ ومسحاتٌ طبيّة وشرائط حبوب متفرقة، قطرات عيون ومراهم مختلفة الأحجام وكوم دعاءٍ أن تنتهي صلاحيتها جميعًا دون أن يحتاجها أحد، أيّ أحد.
صيدلانية، يبدو حلمًا لا بأس به، ينسى النّاس اسمي مع الزمان ويقولون غدًا: الصيدلانية ابنة الصيدلاني أتت والصيدلانية ابنة الصيدلاني ذهبت، الصيدلانية خُطبت، الصيدلانية إلى بيتها زُفّت، الصيدلانية أصبحت أمًا، الصيدلانية زوّجت أبنائها وأصبحت من بعد شبابٍ جدّة، ثمّ لا بدّ سيأتي يومٌ ويقولون بأنّ الصيدلانية غادرت، الصيدلانية انتقلت من رحمة الله في أرضه إلى رحمة الله في سماءه، وهل نحن في هذه الدنيا لشيءٍ أكثر من الارتقاء بالانتقاء والانتقال بين الرحمات تلك؟ الحمد للرحمن ما حيينا، الحمد للرحمن.
أنّا اتجهت إلى الأقارب في أسرتي رأيت مسمّى صيدلاني يستبق الأسماء، أحببت من قلبي أن أسمّى صيدلانية لكنّنا ليس بالحبّ فحسب ننال المسمّيات التي نريد، بدا لي مسمّىً لا بأس به، نداؤه له سحرٌ يرضي الغرور لكنّه لم يفعل ذلك مع اسمي، اكتفى اسمي العزيز بأن يجعلني في مواجهةٍ معه على الدوام: أنت شفاء، لا بد أن يكون لك من هذا الاسم نصيب، أنت دواء لمن حولك ما حييت، ستجدين طريقة فالباحث يجد إن جدّ لا محالة، كوني أنت، كوني اسمكِ، وكوني الشفاء.
أفكّر بالعلاقة التي تربطنا بأسمائنا، بوجوهنا على المرايا أنشبهها أم تشبهنا أم لا شيء من ذلك، بانتمائنا لأحلامنا، هل هي أحلامٌ حقيقيّة نحتفظ بخططٍ شبه محكمة لتحقيقها أم أنّها مجرّد تصوّرات تواكلٍ وضوضاء ثرثرة عابرةٍ لا أكثر.
أفكّر في فرحة ابني بشهادة الابتدائيّة وهو يعبّر بأنّه تخرّج! وأنا أقول له أنّه لم يتخرّج بعد وأن التخرّج كلمة فضفاضة جدًا، وأنه لم ينه إلا ستّةً فحسب، وأنّه من بعد الستّة سيستقبل ستةً ومن بعد الستّتَيْن سيباشر ستةً أُخَر، وبعد الثلاث ستّات لا بدّ أن يلتقي ستّ الستّات ليُكملا معًا كلّ السّتت المتبقّية في سكك الحياة إلى أن يعلَنَ فصل الختام من الحياة ذات ستّةٍ لا متوقّعة.
وددت أن أقول له أنّنا لا نتخرَّج إلا مع خروج الروح إلى بارئ الروح، وددت أن أقول أنّنا نعبر العمر من تخرُّجٍ إلى آخر، كلّ تخرُّجٍ يدفعنا إلى الذي يليه، نركض ولا ينتهي الركض، نحلم ولا تنتهي الأحلام.
أنّا اتجهت إلى أسماء أحفاد المستقبل في مخيّلتي رأيت اسم سليمان يستبق الأسماء، كنت أحبّ أن أسمّي سليمان، لكنّنا ليس بالحبّ فحسب ننال الأسماء التي نريد، أم سليمان يبدو اسمًا لا بأس به، نداؤه له سحرٌ يرضي غرور أمّه، ينسى النّاس اسمي مع الزمان فيقولون غدًا أيضًا: أم سليمان أتت، أم سليمان ذهبت، أم سليمان خطبت لسليمان، أم سليمان إلى بيته زَفّت سليمان، سليمان أصبح أبًا، أم سليمان زوّجت كلّ أبنائها وأصبحت من بعد شبابٍ جدّة، ثمّ لا بدّ سيأتي يومٌ ويقولون بأنّ أم سليمان غادرت، أم سليمان انتقلت من رحمة الله في أرضه إلى رحمة الله في سماءه، وهل نحن في هذه الدنيا لشيءٍ أكثر من الارتقاء بالانتقاء والانتقال بين الرحمات تلك؟
الحمد للرحمن ما حيينا، الحمد للرحمن ثانيةً وثالثةً وعاشرة، الحمد لله حتى يرضى والحمد لله إذا رضي والحمد لله بعد الرضا.
جزءٌ من النص مفقود! لم ينته النص بعد، هذا من النص بعض، ما زال في العمر متّسع لتغيير الأسماء، متسعٌ يليق بتحقيق الأحلام، كلّ الأحلام.