لهذا الكون مواقيتٌ فريدةٌ لا يخطؤها وموازين تزن لنا الأمور ميزانها الحكيم.. تلك واضحةٌ لا تحتاج لتوضيح..
تبدأ حواراتنا الرسميّة الرتيبة عادةً بالسؤال عن الحال، يبدو تبادل أطراف الحديث منطقيّاً بين من يملكون في هذه الحياة هموماً أو ذكرياتٍ مشتركة، وأحياناً هوايات، طموح دراسة عمل تحدّي.. لا نعلم.. المتحاوران هما خير من يعلم.
تضمُّ حواراتنا الكتابية أحياناً شعوراً مضطرباً قد لا نفهمه.. شعورٌ تملّكنا أثناء قراءة النص الأول.. الثاني.. الثالث.. الكتاب الأول، الثاني، العاشر! شعرناه ساعة تأمّل تفاصيل الصّور الأولى.. الثانية.. المائة! والتي لم تكن عشوائية الالتقاط كما حاول أن يشعرنا من وثّق اللحظة وقيّد الزمان بالتقط صورة، إنه شعورنا ونحن نكرّر الاستماع إلى تلاوة السورة التي أشار إليها مائتي مرة، سورة تحفظها منذ سنين.. ثمّ لسببٍ لا تفهمه تشعر وكأنّك تتدبّر الآيات والمعاني لأوّل مرّة، تتأمّل قوله تعالى: ” كَمْ تَرَكُواْ مِن جنَّٰتٍ وَعُيُونٍۢ”*.. وتبكي الروح دعاءً لخالق الروح ومالك الملك ويقينا به، وترفرف الخواطر أمام العينين خطرةً تلو خطرة، ولا يفتأ يتكرّر ذات الشعور وأنت تلمح بين حينٍ وآخر عباراتٍ تشبهك، ليس تماماً، لكنها تشبه حملاً يبدو ثقيلاً جداً يجول في خاطرك بين اختناقٍ وآخر.. لعلّه أحد الأشباه الأربعين.. أحدهم في هذا العالم أحياناً يفكّر بما أفكّر به.. ويعبّر عمّا أعجز عن التعبير عنه.. أو ربّما.. هكذا توهّمت وشعرت.. وكم أخطأنا الشعور.. وما زلنا نخطئ.
لعلّ كثيراً من الاختناقات تتنفّس بالكتابة.. فالحمد لله ألف مرّة ومرّة عليها من نعمة.. كرّمنا بها فكان لنا بها راحة.. فسبحان الذي أقسم: “والقلم وما يسطرون”*.
شعور الألفة تجاه الآخر على غير ميعادٍ ليس مريباً ولا غريباً، ذُكِرَ بالحديث الشريف ما يليق بسموّه الروحيّ وبهاءه: “جنودٌ مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”.
الأُلفةُ شعورٌ أخّاذٌ نبيل.. محظوظٌ من حَظِيَ به ذات حظٍ في الحياة وحافظ عليه.
====================================
*سورة الدخان
*سورة نون.