ثمّ ماذا؟
ثمّ انّها أنثى شرّيرة، شريرة بعض الشيء، بل شريرة جداً.
كلّما قلت لها: كأنّ وزني في ازدياد، كأنّني سأبدأ حمية، كأنّ الكيتو هي الأنسب.
كانت تركض إلى المطبخ ببهاءٍ ودهاء، تسحرُ المكوّنات معاً وتمزج الشِّعر مع الشّعور في فرننا القديم، وتبتسم بسخريةٍ أخشاها.
لماذا تريد أن تخفّف وزنك؟
تعجبني هكذا، هكذا لا تلعبُ بذيْل، وهكذا لا أخشى شيء. حين تبدي اهتمامك بهِ أقلق، وأنا يا عزيزي أمٌّ يكفيها ما فيها ولا تحبّ أن تقلق، ولا تحبّ أن تفكّر بما يفكّر طائر اللّقلق.
قلت لها أنّي سأصوم صياماً عكسياً، أنّي لا آكل لقمةً بعد الخامسة مساءً.
تبسّمت، ويا ويل عينٍ ترى تلك البسمة دون أن تأخذ منها كلّ مأخذ.
تبسّمت، وأنا رجلٌ شرقيٌّ بامتيازٍ أخشى نون النسوة إذا تبسّمت.
تبسّمت، ويا ويح قلوب الشهباء والفيحاء من ياسميناتها الفوّاحة بالعبير والتعبير.. إذا تبسّمت.
الرابعة وَتِسعٌ وخمسون دقيقة مساءً..
نادت الطّفلين، قالت بمَكْرٍ تعوّدتُه، وأظنّني بعد أعوامٍ من العِشرة أحببته: الكنافة طبقٌ شتويٌّ بامتياز، تؤكلُ دافئةً بل ساخنةً جبنتها أو قشطتها ذائبة، الفستق على وجهها البهيّ يحلّيها ككحل العين.
لا تقتربوا من بابا.. كيلا يشتهي، كيلا يذوب، وكي.. لا.. ينهار، بابا.. عامل كيتو!
بلعتُ غيظي، ضحكتي، حميتي، حبّي، صيامي العكسيّ المتقطّع الفاشل التعيس، وذاب قصر أحلامي الصّحيّة في حضرة قَطْر قطعةٍ برتقاليّةٍ سّاحرةٍ آسرةٍ وأسرةٍ صغيرةٍ باللّطف عامرة أنعم المنّان بها عليّ وأكرم، وقلتُ بارتباكٍ لا يُربكها: كنتْ.. كنتْ.. وكان فعلٌ ماضٍ ناسخٌ بائسٌ يائسٌ أمام كيدكنّ العظيم.
ثمّ استسلمت، ولقدري اللّذيذ أسلمت، ولقطعتي الفاتنة استلمت، وللبقيّة حديث، مع من في حضرتها تحلو الأحاديث.