هذه المساحة الصّغيرة ساحتنا، هنا قصائدُ كُتِبت، أغانٍ رُنّمت، ألحانٌ عُزِفت، رقصاتٌ سُرِقت.
هنا كنا نترجم الحبّ برشّ التوابل، هنا كنّا نفرّغ الغضب بتحريك الحساء المستمرّ وتحمير الصّواني وقلب البيض في المقلاة وتقليب الأرز في القدر وتخمير العجين وخبز الفطير وتقشير الخضار على المرامر.
هنا.. أشتاق لك كلّ حين، هنا.. أسامحك كلّما أغضبتني، وهنا.. تنسكب دموعي مع ماء الصنبور كلّما افتقدت أوامرك وطلباتك.
هنا تشهد الأرضيّة كم كيساً كنت تضع عليها كرماً وجوداً يا راعيَ الرّعيّة، وتشهد الجدران كم مرّة كنا ندعو لربّ البيت: الله يرزقك والله يحميك، الله يعوض عليك، الله يعطيك العافية، والله يديمك علينا نعمة.
هنا كثيرٌ من ذكرياتنا، هنا ضحكنا أجمل الضحكات، وهنا كثيرٌ من الثرثرة والغزَلِ حمّال الأوجه وغَزْلِ الأحلام.
وهنا..
تقف أنثى تدمع.. تغصّ بالشهقة وتفتقد.. تتأمّل الكراسي حول المائدة تفتقد أصحابها.. وتدعو لهم أن يجعل الله لهم نوراً أينما كانوا.
الأول هاجر طلباً للعلم، والأولى زُفّت لمنزلها ليلة البارحة..
هنا.. سأشتاقك دوماً، سأشتاقهما، ستزعجني قلّة الأطباق أغسلها بعد الغداء، ولن أملّ الأمل، سأتعلّم كثيراً من الوصفات لأطهوها لهما حين يعودان، سأشتري كراسٍ جديدةً كثيرةً كثيرة، وسأستعدّ لكومٍ من الأحفاد جميل، وسأقول شكراً يا الله لأنك أكرمتني بأن أُحِبّ وأن أُحَبّ.. شكراً لأنّني تعلّمت من والدتي في سنّ باكرةٍ أن أعبّر عن الحبّ برشّة فانيلاّ وعن الامتنان برشّتَيْ خميرةٍ فورية..
شكراً لكما..
وشكراً له..
وشكراً للحبّ..
وشكراً لهذه الساحة والمساحة..
وشكراً.. لكلمة: شكراً.