كيف حالك؟ كيف تبدو الحياة هناك؟ كيف هم الأحبة جميعاً؟ كيف تستقبلون الضيوف نزفّهم إليكم يوماً بعد يوم، متى يلتمّ الشمل يا أُنس الروح بشّرني: متى يلتمّ؟
أيّ رسالة علينا أن نتمّمها في الممرّ الضّيق هذا حتّى نصل بأمانٍ إلى حياة المقرّ الفسيحة تلك؟
لدينا رسائل كثيرة، هل ترانا نوفّق لإكمالها على وجهٍ حسنٍ بما يرضي الرحمن عنّا؟
أحياناً أضيق ذرعاً بالتوقيت الذي ولدت فيه، كم تمنيّت لو أنّي ولدت قبل مائة عام، كانت ستروقني حياة الضّيعة أكثر من حياة العاصمة التي لا أعرف غيرها مذ عرفتني الأيّام.
أشكر النعم، وأحفظها برمش العين وأحمدُ المعطي الذي أعطى فأدهش، غير أنّ مساحةً قرويّةً في روحي تتشبّث بالذاكرة بإزعاج رهيب، أنا لا أنسى يا جدّي، لا أنسى بؤس البعد وألم الفقد، لا أنسى أطفالاً تعدّ الأسابيع والأيّام، باقي من الوقت كذا لوصول جدي وجدّتي، لا أنسى كيف كانت تبدو أضواء هذه المدينة عادية أمام قطع الكهرباء وشموع المساء تزيّن بيتكم.
= تقولين بيتكم! هذا بيتك أيضاً، بيت أبيك، هنا جذورك، هنا أنت، غادر الجميع ولم تغادري، بقيتِ كفراشات الصباح ترفرف حول الياسمينة، هل نبقى في أماكن لا تناسبنا في الحياة يا صغيرتي؟ هذا لا يناسبك، حتى وان ناسب الجميع فإنّه لا يناسب أحفادي، أحفادي وأحفادهم، لم أنجب أحداً يحتمل حياة فرضت عليه، أنا أنجبت ذرية تفرض على الحياة نمط الحياة الذي تريد أن تحياه.
– تقول صغيرتي! أضحكتني يا جدّي! لقد كبرت كثيراً، أكثر مما أتخيّل ومما تتخيّل، ألم تصلك الأخبار بعد، أنا أمٌّ يا جدّي، مدهش أوَليس كذلك، لا أعرف في أيّ غيبوبة من العمر أصبحت أمّاً لطفلين واكتشفت أنّني يجب أن أصبح قدوة وكأنّي تورّطت بموضوع القدوة هذا.
“واو” يا جدي “واو”، الثرثارة خاصّتك التي كنت تقول لها: “بالجنة انت بتدخليها من باب وأنا بدخل من باب، من نفس الباب ما بقدر أدخل معك”، كثيرة الحكايات أصبحت أمّاً ولم يعد لها من ذلك التكليف مفرّ، كان تشريفاً على الأكتاف ثقيل ولا بدّ لنا من أداء حقوقه على أتمّ وجه، لا بدّ لنا أن نبتاع سكاكين لبتر شهواتٍ كثيرة، أن نستقيم، أن نحترم أننا كبرنا..
الفتاة المشاغبة التي كانت تستوطن حضنك وتقول أن خدّك شائك جداً وتستمتع بخدّ الورد يمازح خدّ الصّبر الشوكيّ ويضحك دونما قلقٍ من مستقبل الأيام ويسأل الأسئلة لا تنتهي “تربّي”، هل تصدّق أنّي أربّي طفلين يا جدّو! أنا لا أصدّق أحياناً، كن بخير.