= حبيبي..
_ لابدّ أنّكِ جننت حقاً؟! تنعتين أحدهم بالحبيب وأنت لا تعرفينه؟ كيف؟
= ربّما جُننت منذ زمنٍ بعيد، وحقّ لي الجنون بجدارة من بين الكتّاب المجانين لحاجةٍ في نفس يعقوب لم يقضها بعد؛ في هذه الرّسالة أنا أعرفه، ولا يعرفني بعد، تبدو حروف الوصف مريحةً كثيراً مطلع الرسالة، فلطفاً لا تقطع حبل أفكاري، أريد أن أعبّر.
كيف حالك اليوم؟ هل أنت بخير؟ ماذا تناولت على الإفطار؟ هل تمضي أيّامك على خير؟
أنا لستُ بخيرٍ مطلقاً يا صديق، لا أعرف حكمة الرحمن بعد، بأنّ الكلمات قررت أن تتفجّر فجأةً من قعر نفسي بعدما غصّت هناك خمسة عشر عام ٍ مُثقلةً بها ثقل الأمّ تترنّح خطواتها أثناء أيام حملها الأخيرة، فترجو ألم المخاض لترتاح، وكثيرٌ منّا لا يرتاح إلا بعد أن يبلغ ذروة الألم.
مثل تلك الأمّ تماماً أحمل كلماتي، وأزيد عليها أنّي جبانةٌ جدّاً لا أجرؤ على ولادةٍ طبيعيّة كسائر النّساء، تحمّلني حروفي ما لا طاقة لي به، أغرق بلا ماء، وأختنق وملئ محيطي الهواء، هل سمعت عن كتفٍ يكاد أن يُكسر ورسغٍ كلّ ساعةٍ يتخدّر لعصف الخواطر عليه ليل نهار، مثل هكذا أنا هذا العام، ولا أدري لماذا.
يكبّر الإمام، وما إن تبدأ تلاوة الآيات إلا وتسابقها دموعي، أغصّ بالشهقة لا أعرف كيف أخفيها، وأحمد الرحمن أن فُرّق بين المصلين هذا العام بمتر ونصف المتر وكمّامة.
يقرأ كلام الرحمن: ” قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ”.
وأبكي كما لم أبك في عمري من قبل أبداً يا زبرجد، وأسأله في علاه أن يولّيني القبلة التي أرضاها، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف.