سلامٌ عليك حيثما كنت، حبيباً غريباً قريب.
لمحتكَ البارحةَ لمحةً خاطفة، لم تتسنّ الدقيقةُ للتدقيق بالملامح وتأمّل التعابير، خيالٌ مرَّ كطيفٍ على عجالةٍ أمام ناظريّ أثناء ممارسة رياضة المشي المسائيّة.
أمشي صباح مساء، كلّما تحرّكتُ تحرّكت الكلماتُ في شراييني، وكان ما كان، أمشي صباحاً لأنعش الرّوح، وأمشي مساءً لأخفف حدّة توتّرها وأُخرس ضجيجها المزعجَ لا يهدأُ آخر النّهار مكتظاً بالأسئلة والأفكار.
كنتَ سريعاً، ما لمحته لم يكن جسداً بلا شك، كانت روحاً على هيئةِ دخانٍ عابر، تفقّد حالي، أخبرني أنّه هنا، و تلاشى بلمح البصر.
لو أنّك أكرمتني ثلاثين ثانية، علّها تتسع لمعرفة من أنت، وكيف تبدو.
أصبت قلبي بالفصام!
لا أعرف وصفاً لماهيّة الشعور تجاهك، أحياناً تجرفني إليكَ عاطفةُ أبوّتك عملاقاً اشتعل رأسه شيباً، وأحياناً تجرفك إليّ عاطفة أمومتي طفلاً صغيراً لم أنجبه ولكنّه يسكنني سكون الجنين في أحشاء أمّه.
هل تدرك ما أقول زبرجد؟
نعم تدرك، بل تدرك تماماً إن كنت ذا حكمةٍ كما رسمتك في مخيلتي، تدرك أنّي لا أنشدُ السّطحيّة العاطفيّة الهشّة التي تتبادر للأذهان مجرّد الإفصاح عن المشاعر وإطلاق سراحها، لو أنّي مجرّد شاعرةٍ مكرّرةٍ لما استحقّيت منّي نصف رسالة، بل ولا حتّى نصف حرف، لا أظنُّ أنّي كذلك، كما أرجو أنّك لا تظنُّ عنّي ذلك، لعلّ صميم هذا هو ما يخلق مغناطيساً روحيّا عجيباً بيننا، مشكّلاً حالة كيمياءٍ مستعصيةً على الفيزياء حتّى اللحظة، تشدّني إليك شدّاً دون أن تشدّك، ربّما كنت عالقاً في حلقةٍ مفرغةٍ مّا ولا تملك حيلةً تجاهها بعد.
يكبر جمالُ الحياة يوماً بعد يوم، تتدفق الأفكار والأحلام، تتسع دائرة الهمّة والعمل، وتتضح الرؤية ونزدادُ يقيناً باقتراب إجابة الدعاء.
يمرّ بعض النّاس على العمر مرور الكرام، والبعض الآخر تمرّ أعمارهم عليهم رافعةً لهم ألف تحيّة تبجيلٍ واحترامٍ، لأنّ العبور لم يكن عادياً، وطريقة العيش كانت كما يليق بالحياة الكريمة أن تُعاش، الخيارات مُتاحةٌ للجميع، ولكلّ ساعٍ ما سعى إليه ولو بعد حين.
أحاول أن أحياها بشكلٍ مميّزٍ مختلف، بطريقةٍ جديدة، بعلاقةٍ غريبةٍ فريدة، أن يذكر تاريخي الشّخصيّ الصّغير أنّي اجترئت على تجربةٍ لطيفةٍ أولى لم أُسبق إليها، ولا أُعاتب عليها، لا تنبغي لأحدٍ من بعدي لأنّها استثناءٌ لا تأذن به الحياة إلا كلّ مائة عامٍ مرّة، وأذن لي بها دوناً عن العالمين هذه المرّة.
ماذا لو أنّنا لن نلتقي أبداً؟
ماذا لو أخبرتك أنّي أكتب لحدسي بذلك، ولأنّ الكتابة تخفّفُ وطأة الشّعور.
ماذا لو اعترفت أنّي رأيتك ذات عمرٍ فأشحتُ بوجهي عنك وفاضت من العين دمعةٌ باردةٌ معاتبةً النّفس بأنّه لا ينبغي أن يكون ذاك الشّخص الذي غمرته دعاءً ومحبّةً على غير ميعادٍ أنت!
كنت كبيراً جداً، وكان من المعقّد تخيّلُ أني أتعرّف عليك وأنت على صورةٍ مؤقّتةٍ لن تبدو عليها في الجنّة حين نعود هناك لأعمارنا في الثلاثين، إن صغرتَ خمسةً وعشرين عام فبالكاد سأعرفك أو بالتأكيد لن أتعرّف عليك، لن أحرج نفسي بالبحث عنك هناك أيضاً، لا بدّ لي من رؤية صورةٍ قديمةٍ لك أعرف فيها كيف كنت تبدو آنذاك.
يبدو عجيباً أنّي لا أرى النّاس بالعين المجرّدة، أراهم بقلبي، فأرى منهم ما لا يراه الآخرون، أرى أرواحاً ترتدي جلوداً وأجساد، كلّ روحٍ يعمل صاحبها على تحسين هندامه أو إهماله، البعض تبدو أرواحهم جميلةً جمالاً مبهراً، والبعض آسفةً تبدو فوضويّةً جداً من ظلمهم لأنفسهم يبدو واضحاً لا يخفى على إهمال عنايتهم بأجسادهم.
في المرّة القادمة، لطفاً، أتح لي الفرصة بمعرفة صفةٍ مّا عنك، لن أخطفك! ولا أعدك بذلك!! لكنّني سأحاول.
كن بخير، كلّ خير، زبرجداً أخضر الرّوح جميل.