كان يا ما كان، ذات زمان، بدى كلّ شيءٍ مُرهِقاً مُرهَقاً مُملاً مُؤسفاً مُخزياً، بل في كثيرٍ من المرّات مُدمعاً للعين مُندياً للجبين، قد يتحوّل ارتباطك بأحدهم يوماً وشماً مزعجاً على سيرة عمرك ووصمة عارٍ ودمارٍ لأنّك مهما حاولت أن تمحوَ أو تتجاوزَ أو أن تتناسى ستلاحقك لعنةٌ سرمديّة، حتى بعد التخلّي والتّجلّي، تُنعت من هواة الغيبة والنّميمة بأسماءٍ فظيعةٍ سمّوها وألصقوها بالنّاس رغماً عنّهم.
يتخيّلُ الجميع أنّكَ قويٌّ مذهلٌ حقاً، برّاقٌ رائعٌ لامعٌ ومثاليٌ جِداً وَجَداً وَجُداً، لا غيظاً يعكّر الرضا، ولا همّاً يؤرق الوسادة.
جميعنا شيطانٌ في حلّة ملاكٍ لا يرونه، لكنّه يبصر نفسه بعين نفسه ويعرفها حق المعرفة، كم سعينا جهدنا نحو العزّة والإباء والمثالية، وكم تمنينا أن نتعامل مع الصّبر برقيٍّ وحكمةٍ وثباتٍ أكثر من ذلك، بأن لا تكون الرّوح هشّةً حسّاسةً عاطفيةً لدرجة الضّعف والحماقة بل ربّما الصفاقة مروراً بالسذاجة وصولاً إلى الغباء كثيراً من الأحيان.
جميعنا شعر ذات عُمرٍ بشيء من الإهانة والخزيِ والقهر والغبن رغبةً في الشجار لمرة أخيرةٍ مع الحبيب يتحوّل عدوّاً على حين غرّة، بالكهرباء تصعق الوجدان تتمنى رميَ آلاف الكلمات عليه.
من منّا لم يرغب ليلةً أن تُسمع منه الصرخةُ مدويّةً حانقةً خانقةً غاضبة، وأن يُرى في شرر عينيه عدّ الدقائق ترقّباً وانتظاراً بفارغ الصّبر إلى يوم القيامة للقصاص لعمره ونفسه عن كل الأيام التي اضطُرّ خلالها أن يكون كلّ شيءٍ لِ: “وَلا شيءٍ”! لا أكثر، لا أكثر.
ولا نكرمُ من لا يُكرَمُ نزلاً بالوصف بأبلغ من ثلاث اشارات تعجّبٍ تكفي وتفي شرحاً وشرخاً منهم وعنهم.
إبتداءً بالتملّص التّام من الواجباتِ ورميها على الأكتاف، انتهاءً بتضييع الحقوق وشُحّ العواطف وعدم التعاهد كما يفترض بالعلاقات الانسانية السّوية أن تكون.
لكم أحرجتنا بعض الذكريات، كم مرّةً تمنّينا لو أنّ الأرض انشقّت لتبتلعنا ابتلاعاً تاماً بلا نقصان، بل ربما مع زيادةٍ علّنا ننسى الأذى؛ لكنّنا والله لم ننسَ، كلّما هممنا بذلك تذكّرنا أكثر وأكثر، فبعض الذكريات فريدة الأسى بطريقةٍ نادرةِ الوجود.
ربّما كنّا حينها في غفلةٍ جداً؛ وناموسُ الكون ينصّ على أنّ القانون لا يحمي المغفّلين، فما بالك بمغفّلٍ في الحبّ يا زبرجد؟ ما بالك؟