تلميذتي العزيزة، صديقتي الفريدة، أكتب لك من السماء، يفترض أننا سوية منذ أربعمائة عام، كلّ صباح نتكلّم فيه سويةً بسرّية عن بُعد؛ في مثل هذا الوقت تكونين قد بدأت باستفزازي مللاً من الشوق، وأكون في مرحلة فقد السيطرة على هدوء أعصابي ضجراً من الأشواق.
كان ذلك ممتعاً، استطاعت الصّغيرةُ أن تُجدّد في حنايا أستاذها الحياة، تذكّرهُ بالذي مضى، وتُنعش له طفولته التي لم يتخلّ عنها يوماً.
فاجأتك برحيلٍ أبكى العينين، أرحتُ روحي قرب روحك لحظة، وسألتك: من يتابع ما بدأت أثناء سفري؟ هل تصبرين على الشّوق خمسين عام؟ هكذا أقتصُّ لنفسي من تصرّفك الأخير معي جيّداً ونتعادل قبل اللقاء.
أفتقدك هذا الصباح، وأفكر أيّ هديةٍ سأحضر لك حال عودتي، ألفتك، قضينا معاً وقتاً ماتعاً طويلاً، اعتدتك كأحد أقربائي، ونظرت إليك نظرةً بعيدةً قد لا تستطيعين تخيلها؛ وريثةٌ لعملي وفكري وقلبي رائعة، ناجحةٌ، مثاليّةٌ، تسير على الخطى وتكمل المشوار، تحتذي بي ويُحتذى بها.
سافَرَتْ مع معلمها إلى نيويورك، أراها الشوارع الضّيقة والسيارات الصّغيرة وثلج الشتاء الجميل، لا أعرف كيف انجرفا إلى هناك، وأحبّا ذلك اللطف ملئ قلبيهما، كانت لهما ضحكاتهما وحواراتهما وجنونهما، واختلافاتهما الكثيرة ورسائلهما الأكثر تلوّح خوفاً من غدٍ مجنون.
ربّما تهدأ النفوس يوماً بعد الفراق ونجد طريقةً مّا بها نتسامح، مضينا لحال سبيلنا بذكرى جميلة، لم تكن علاقة معلمٍ وتلميذةٍ يوماً، كنتِ قطعةً من روحي كما كنتُ وستبقين كذلك على الدوام.