كنّا بالتاسع لمّا طلعلنا صرصور من وشّ الصبح بالصّف، مشان أيسّر للقارئ تخيّل المشهد، صرصور بمدرسة أهليّة بفصل فيه أكتر من عشر جنسيّات، يعني شي مُرعب للغاية تكاد تظنّ أنّه ديناصور، حالة من تمثيل الرّعب الاحترافي عمّت الموقف، بنات صاروا فوق الطاولات، تلاتة بالزاوية عم يصرخوا بلكي بيتشتّت انتباه المعلمة وتركيزها شوي وبيضيع وقت من الحصّة للدرجة الكافية إنه ما يبقى مجال بنهايتها لكويز مفاجئ أو عبارة نعربها أو معادلة نحلّها.
هداك اليوم ما بننساه كأنّيه مبارح، نادين اللبنانية عم تصرّخ: ميس سرسور سرسووور، ولحظّها المشحّر المعتّر اللي ما كان حظّ بالمرّة، هديك الساعة كانت الميس مو ميس عاديّة أبداً، كانت معلّمة العربي السوريّة على سنّ ورمح يلّي اضطرتها الغربة تسمع لقب “أبلة” بدال “آنسة”.
ما كان لنادين بالطّيب نصيب، بصوت حادّ وحازم قالتلها عدويّة القطّان: “ادعسي”!
تدعس مين والناس نايمين!
ملامح الصبية لحظتها ما بتشبه ولا شي من كلّ ملامح فيديو الكليبات اللبنانية الحزاينيّة اللي شفتها بحياتك، لميا وميسا وسلمى ونوف ومنيرة واقفين عالطرف وعم يقولوا بقلوبهن الحمد لله اللي ما كنّا مطرح بنت سعادة وعم يدعو الله يسلّم والله يعين.
نادين تطلّعت على ميرفت يمين وتلفّتت على رنا يسار بلكي حدا بيساعدها بس ما كان في أمل هديك اللحظة كانت شي بيشبه: لكم دينكم ولي دين، ما حدا لحدا وفيروز صارت تغنيلا: لا تندهي ما في حدا، وعيونها يعلى قلبي صارت تغنّي: وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان.
لا تحاولي يا رفيقتي لا تحاولي نحن صفّ شريف نزيه ما بنحبّ يطلع صيت عاطل على بناتنا إنهن قتّالين قُتلا!
الصحبة شي وقتل السراسير شي تاني يا روحي، ارتفع الصوت مرّة تانية تقول كأنينا بكتيبة رقم جيم: “عم قلّك ادعسي”!
بهداك الوقت انقطعت أنفاسنا وكان نبض قلوبنا على وَشَك يوقف بمعنى الكلمة ونحن ما عم نعرف نفسّر نظرات إم ناتالي، سبحان اللي خلقها كانت مهيوبة وبس، انت ما بتعرف شو يعني معلمة سورية تغضب عليك وتقرّر تربّي فيك الأُمم، شي ما بيشبه ولا شي بقدر أشبهلك ياه، فجأة بتلاقي حالك عم تتنفس تحت الماء وتغرق تغرق وما لك طايق حدا يعلمك ألا تشتاق حتى لو كان عبد الحليم بذات نفسه، بدك تعيش وبس، بدك تمرق هالساعة على خير مو أكتر، والله مو أكتر.
بدأت مشاعرنا تتأرجح بين رغبة بالضحك وبين رحمة لنادين، مع “تكّة” وما بعرف اذا كنت صادقة بكلمة تكّة، تكّة شماتة بكلّ الدلع والغنج اللي كانت تتمتع فيه المعنيّة وهيّة تتفشخر علينا كلّ ما يصحّلها فرصة شو ما كانت وحط خطّين تحت تتفشخر بطريقة مؤذية لبقية صبايا حارة الملز مو الضبع إخوات الرجال بصفّنا.
غمّضت نادين عيونها تقول رايحة تفجّر حالها، ويا خسارة وألفين خسارة إنه ما كان في وقتها جوالات وتصوير وسناب شات لتوثيق الذكرى، قرّبت من السرسور على استحياء، اللي مضطرة أعترف لك هلأ وَشْوَشِة بعد عمرٍ طويل مو كتير طويل _شغلِةْ شي عشرين سنة بالكتير_ إنّه كان حجمه أقرب لنملة كبيرة مو أكتر، بس نحن صفّ حسّاس جداً وكيوت وزكاتك ركّز مرة تانية عالشّدة لطفاً.
المهم، دعست السنيوريتا، ويا ريتا ما دعست، لأنه رفعتلها ضغطها للآنسة أكتر والسرسور سار يضحك ضحك شي ما بيتصدّق، بالأدقّ: صار يتكركر من الضحك! أقلّك شو: سرسورنا غِشي من الضحك ياه! إي إي لا تستغرب! مو بس باب عاصي الحلاني كان بيبكي! حتى سرسور نادين سعادة طلع بيضحك!
ضحك لأنّه دلّوعتنا كانت عم تعملّه مسّاج الله وكيلك ما عم تدعسه، نادين وبنعرفها، ما كانت مشكلتها إنها حتقتله وتتأرّخ عندنا بنت عنيفة ونعايرها بيلّي صار ونضحك عليها كل ما تذكرناه، المشكلة كانت بِسِفْل البوت اللي ما بدها يتجرسم بسرسور النّحس إيّاه وبعرف إنها ثاء مو سين بس حابة إنّك تحسّ بنادين.
قلبي على السنيورة، كبرنا وتخرجنا واشتغلنا وصار عنّا ولاد وتفرّقنا برّات البلاد، ولهلأ كلّ ما سمعنا كلمة “ادعسي” منتذكّرها، ومنتذكّر كيف أحياناً نحن اللي منحطّ نفسنا بمواقف بايخة، لو ما كانت صَوِتْ هداك الصوت لأنيها ما حالّة الواجب ولا محضّرة الدرس كانت إم زكي خاصّة الصف بجلالة قدرها دعستلنا ياه بهدوء وبكل صدر رحب وبكامل إرادتها ومن غير شوشرة وبنفس رضيّة؛ إلها نصيب نتذكّرها ونضحك سنين ونتصالح جزئياً مع السراسير، ونضحك عليها كتير كمان.