يلهو أطفال الحيّ بألعابٍ شتّى عصراً، يشكّلون فرقَتَيْ كرة قدم ويستلم البدين _كالعادة_ حراسة المرمى، يتسابقون نحو هدفٍ بلا كأس، يكرّمون أولاً لم يكن بعده ثاني، يقطعون الحارة على المارّة من الطرفين، ويحفرون حفرةً في الزاوية، ينبطحون على أرض الشارع وتبدأ مقامرات “الدواحل”.
يوجد للعمارة مدخلان شرقيٌّ وغربيّ، الأخير كان مَصفّاً للسيارات، لسببٍ معماريّ مّا كان الاثنان مُنحدرين، أتظنّ أنّ المشاغبين فاتهم ذلك؟
البطل فيهم كان يُحضر الصينية المعدنية الكبيرة المستديرة من بيتهم، ويقف أعلى المنحدر، ويسأل بكرمٍ حاتميّ أقرب لانتحاريّ: “مين دوره يتزلّج هلأ”؟
كانت عربة تسوّق الخضار ونقل أغراض العمّال سيارتنا الأجمل، تمسّك جيداً فأحدهم سيتولّى مهمّة الدّفع بأقصى سرعة، هذه الألعاب الحركيّة ليست للجبناء، الذين يتحمّلون الكدمات يرحّب بهم أولاً.
أصوات الضحك واللعب تزيّن الحارة لسبع ساعاتٍ متصلة، يعود الآباء من السعي على أرزاقهم أباً بعد أب، كلٌّ يعتقل أبناءه للعودة إلى بيوتهم تحسباً لمشكلةٍ قد يختتم بها اليوم.
يعودون بشعورٍ منكوشة ووجوهٍ مغبرّة ورُكبٍ مجروحة، والأمهات تقفُ كحرّاس أمنٍ عند عتبات البيوت تشير إلى الحمامات كي يستحموا فوراً بلا نقاشٍ أو محاولة جدل.
يكبرون معاً، يلعبون لعبة الكراسي بلا كراسي، لا يملّون من تكرار كلمات “إنسان حيوان نبات بلاد”، يستمتع أكثرهم شغباً حين يقول: من المفتش أنا المفتش دورلي عالحرامي، دندنتهم: “ألف بي بوباية” كانت لا تدري أيّ حربٍ كانت تنتظرهم بعد كلّ تلك الضحكات، لعبوا “البص البص البصّيلة” حتى لم يعد في البلاد بيتٌ لم يتعشَّ ملوخية! ولعبوا “عين سين صاد ستوب” وَ”شجرة نملة” وَ”صبّحكم بالخير يا العمّال العماليّة” حتى لم تتبقَّ بنتٌ في العمارة لم يُقل لها: “الحلوة الجميلة”.
كان ابن الجيران يحبّ لعبة “الطميمة” كثيراً، لم يمسك به يوماً أحد، يملك ساقين طويلتين كساقَي صاحب الظلّ الطويل إن ركضتا لا أحد يسبقهما؛ وكان يحب سلمى، ولا يركض إلا إلى سلمى.
تجلس “سلماهُ” إلى زاوية، تسمع خطواته الخفيفة، يُغمض عينيها بالكفّين، يسألها: احزري مين أنا؟
تتحسّسُ يديهِ لا لتعرفه، بل لتمسك به وبالزمان للحظات، وقلبها كلّ قلبها يقول: لا أريد أن أحزر.