زهر الكرز

يظنّ البعض أن الرسائل انقطعت بيننا منذ سنين، احداهنّ في الكون تدرك أن الوصل يستمرّ إلى يوم الدين، إلى لحظة دخول الجنة، إلى اللقاء بلا ملامح يتمّ بيننا حتماً ولو بعد ألفِ ألفِ عامٍ هناك.

كيف حالي أنا؟
لا أعلم، مستاءة منك كثيراً كما اعتادت النساء أن تستاء من الرجال، كيف رحلت؟ كيف خلدت شؤم الرقم ثلاثة عشر في مخيلتي دون أن تقرأ الرسائل، دون أن أفهم شيئاً وقتها، دون أن أستطيع شرح الفهم لأحد.

كيف حالي؟
أفتقدك أيها الأبله الوسيم، أعرف أنّني بلهاءُ جداً بما فيه الكفاية أيضاً، مغفلةٌ كلّما قالت لن أدعوَ لهُ انسكبت دعواتها تُسابق الدموع، لدي الكثير لأثرثر به، كنت أشتاق الجنة لأرى من سبقوني إلى هناك، واليوم أشتاقها لأراكم سوية.

تعلمتُ منك كثيراً، تعلمتُ في أربعين يوم لقاءٍ بيننا وأربعة أشهر فراقٍ ما لا تكفي لتعلّمه أربعة أعوام من التعارف؛ أدرك الآن من التجربة كثيراً مما لا تدركه بعض النساء وأدرك كثيراً مما لا يبديه الأكثر من الرجال.

حقيقةً، أنا أحبّ أسرتك كثيراً، وأحبّ أخاك الأكبر، مثلما أحبّ كلّ الأعمام الكبار، أحبّ أنّ له نهجاً لا يشبه نهجك، وقلماً وعلماً ووصولاً وأدباً لا يشبه قلمك بأيّ حالٍ من الأحوال، وأحب من قلبي أن يكون أحد معالم الطريق الذي أسلكه الآن، ولا أدري كيف لم تفعل ذلك أنت.
أعذرك، جميعنا نحاول الابتعاد ما استطعنا عن الانجراف نحو المقارنات البائسة بيننا وبين من حولنا، كلما كانت المقارنة مع من يحيطون بنا بشكلٍ أكبر، كانت المشاعر المترتبة عليها معقّدةً أكثر.
كيف حالي؟
أنا لم أعد أنا، أنا أتعرف على نفسي كلّ يوم، كنت متفاجئة بك وأنت تقول لي بأنّك سعيد أنّي أكتشف نفسي تلكم الأيام وأتعرف عليها، كانت الصورة مكتملة، وكانت مدينتي تتألق كعروسٍ كلّ صباح، كانت الصور التي ألتقطها أجمل، كنت أركض تمام الثامنة صباحاً لكتابةٍ جديدة وكلّي لهفةٌ لشيءٍ لا أفهمه، والشغف شعورٌ عظيم.
كيف حالك أنت؟
كيف شعرت في تلك اللحظة؟
هل تدرك أن ثمّة خلطة سحريّة جمعتنا وخطّة كونيّة فرّقتنا لأجل شيءٍ ما لا يعرفه أحدٌ بعد.
أأخبرك سراً ما دمت هناك؟ ما دام أحدٌ في الكون لن يسمعنا؟
في تلك الخاطرة التي أحببتَها، حين ناديت زوجة ابني، كنت أعني ابنتك ملئ الحروف حين قلت أنّي أحبّ أن كرسيها قرب مائدة الطعام ينتظرها، أمٌ تحبّ أبناءها لدرجة تخيّل مستقبلهم كثيراً من المرّات، وتضجر منهم حدّ الاستياء من قبلة ما قبل النوم مرات أُخرى.
إنها الثالثة والنصف من الثالث عشر من أيلول الحزين، أيلول الذي يمرّ عليه يوم ميلادك هذا العام وقد توقّف العداد عن عدّ الأيام، واختلّ الفاصل العمريّ الذي كان يفصل بيننا، وها أنذا أكبر بالعمر حتى يصل عمري إلى عمرك، ولا أدري أأصل؟ أم لا؟ هل أصبح يوماً ما أكبر منك؟ ماذا إن عكسنا الآية؟ ماذا ان أصبحت أكبر منك بستة عشر عامٍ وشهرٍ ويومين؟ لعلّي أموت في ذلك اليوم إذن، أريد أن تقف احتراماً لي حين تُرسَل روحي بين السماوات السبع ويقال فلانة بنت فلان، يومها أنا خالتك شئت أم أبيت! لحظة، أريد أن أتخيّل التاريخ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأيّ أرضٍ تموت، يوافق التاريخ حين إذٍ 17-9-2053، التاريخ مميز سأكون قد عشت إحدى وسبعين عامٍ إلا شهر، عشت أكثر منك ومن أبي وبعض اخوتي، هكذا كانت الرؤيا القديمة، هكذا كذبت الأرقام.

أفتقدك حدّ الضجر، حدّ الركض إلى تحقيق الأحلام والسعي إلى الأهداف بأقصى سرعة، حدّ ما يغار النّاس من النّاس لماذا يحبّ النّاس فلاناً من النّاس دوناً عن النّاس دون سبب مقنعٍ يذكر، من يصدّق أنّ هذه الفتاة سجّلت صوتك مرّةً بعد مرّة بعد مرة بمعرفتك التّامة وموافقتك المحضة؟ من يصدّق أنّ هذه الكاتبة كانت تحلم بزيارة مدينتك، والآن يكتفي الحلم منكسراً راضياً بقضاء الله بزيارة قبرك، من يشرح للبشر ما كان بيننا من كيمياءٍ عجيبة، لا أدري، والله لا أدري.
الذي أعرفه أني سأظلّ أشتاقك مثل ذلك؛ أجمل الحب ما كان مترفّعاً عن المنطق متجرّداً من الأسباب، نم بسلامٍ عليك السلام ما دعا قلبي لك إلى أن نلتقي بدار السلام بسلام، كن بخير، كلّ خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *