لا أنسى ما حييت تلك الليلة، أسعى في الصّالة باكيةً ذهاباً واياباً مُرتّلةً: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”.
أكرّرها ويدنو الفجر رويداً رويداً، يأتيني الطفلُ هادئاً بكلماتٍ أقعدت قيامي؛ ماما لماذا تبكين؟ تبقّى لجدو يومين كي يدهب إلى الجنّة!
بعد الصلاة غفوتُ على سريره، أريد استنشاق طِيبِ وسادته؛ أبي الذي سألنا في الشهر الأخير عشرات المرات دونما ملل: كم الساعة؟ كم صارت الساعة؟ رأيته في المنام يقول لي مبتسّماً: أنا عندي موعد.
ربما، في ذلك الفجر كان الصغيرُ طفلاً الله أرسلهُ وأنطقه.
يومان بالتّمام، ثمّ توفي الحنون وسكن بيته الجديد، جعله الله روضةً من روضات الجنة.
هذا الأحمد أبكاني الليلة ثانية، بينما أتأمل الصور القديمة مكلومةً يسألني: ماما، أهذه صورة جدي بالجنة؟
لا أرغب بالإجابة، فيستمر: ماما، الله يشفي جدو.
أقول: قد شفاه الله يا حبيبي؛ يستفسر: تقصدين أنّ الله ألقى “السلطعون” في النار؟ (1)
تدمع عيني، فعلاً هذا العقاب الذي يستحقه ذاك المرض؛ أقطع أسئلته وأُشير له نحو صورته: حمودة؛ اسأل جدو ما تريد حبيبي؟
فيسأل ببراءة سنواته التي لم تتجاوز عدد أصابع كفّه الصّغيرة: جدو، ما شكل الله؟
أعانقه كي يهدأ طوفان الأسئلة، أدعو الله أن ينبته نباتاً حسناَ، وأتساءل وَنفسي: أليس صغيراً على أن يسأل عن أعظم ما سنراه ونتنعم به في الجنة؟
اللهم احفظه بعينك التي لا تنام، وقرّ عيني بصلاحه.
=====
هامش:
= قَصَد مرض السرطان، وكان عمره حينها خمس سنوات.
21-4-2015