كلٌّ يعشقٌ على شاكلته، عشقه ليليّ، كلّما حلّ المساء حلّت معه الأغاني، وحلّت على روحه ضيوفاً ثقالاً الأشواق.
وعشقها نهاريٌّ كارثيٌّ حارقٌ كأشعّة شمسٍ لفّاحة، لابدّ لك من ترطيب بشرتك جيداً قبل اعتراض طريقها طمعاً بعناقٍ كي لا تحرجك وتطبع لونها عليك؛ حذارِ منها، لا تقترب كثيراً، تجرحك وتؤذيك، لا تحاول كي لا تتخطّف أنفاسك، كي لا تتورّط.
ولا تبتعد إلا مسافةً مدروسةً وساعاتٍ معدودةً؛ كي تبقى عقدةُ الودّ معقودةً وحبل الوصل أملاً ممدوداً، ما طلعت على سريرك لتوقظك بشعاعٍ جديدٍ انبلاج الصباح.
عشقه حلو المذاق كشوكولاته ذائبة، رفعها عالياً، رمقها نظرةً أخيرة، فتح غلافها وسكبها في حلقه سكبةً واحدة، فتركت دمغتها حول الشفتين ودمعتها فوق الكتفينِ، آثاراً واضحةً فاضحةً لم تفلح بمحوها محاولة غسيلٍ عاجل، عشقٌ ذو وشمٍ لا يُزال.
عشقٌ بنكهة كاكاو، وأنثىً سمراءُ تحترف تغطية وجهها ونقش الوشوم، عشقها يُبتلع ابتلاعاً، لكنه لا يُشبع، لا يسمن، ولا يغني من جوع.
يحبّها، يتعطّش إليها ولا يقاوم رغبته بها، يحتاجُ أن تجتاحه بسحرها، ماذا لو أنّ ياسمينها يطرحه أرضاً، وتذوّقها يحلّقُ به عالياً فوق كلّ سحاب؟
محظوظٌ من كانت محبوبته سمراءُ ذائبة، الذين عشقوها قبل إذابتها بهدوءٍ آلمت أسنانهم دون أن يرفّ لها جفنٌ رفّة رحمة.
وفي عشقها ما زالت تجرّب حُب الحَظّ وحَظّ الحُب، خمسون بالمائة من سكّان الأرض السابقين كانوا مثلها، وتسعون بالمائة من اللاحقين، ومائتان بالمائة من الحاليين يجربون حبّها، حبٌ هش، كقلب بطاطا مقليّة، تبدو مقرمشةً جذابةً من الخارج، لها رائحة القلي المميزة الخاصّة، تودّ أن تمسكها من طرفيها بكلتا يديك، تثبتها في الهواء بإبهامين وسبابتين على بعد خمسة عشر سنتيميتر من الأنف والعينين، ثمّ تثنيها ويرفرف قلبك ألف رفرفةٍ من صوت الثنيات والشميم عن قرب؛ ترى قلبها من الداخل، بدا أجمل بكثيرٍ مما كنت تتصوّر، ما ألذّه وأجمله؛ بيد أنّها في النهاية، لم تكُ إلا ثمرة “بطاطا” عاديةً جداً قد تنبت في أية تربةٍ رملية، لا مانع لديها من التواجد في أي منزلٍ ويرحب بها كل بيت؛ يستطيع الغالبية الاستغناء عنها في أيّ لحظةٍ قرروا فيها البدء باتباع حميةٍ غذائيةٍ فاشلةٍ مُقدماً بحجّة أن لا قيمة لها مثل الأفوكادو وقلبه، كمثالٍ فاشل.
تفشل كثيرٌ من الحميات والعلاقات “البطاطاطيّة” في الحياة الواقعية، فلا يكن حبك “بطاطاطيّاً” مستر زبدة<<مقرمش من برّة وطري من جوّا>> اختر لقلبك أفوكادو تليق به!
في عشقه يبنى بيتاً جميلاً ذات زمان، هندسته تخطف الأنظار وتفوق التوقعات، مرسومٌ رسماً يضاهي بديع صفّ أحجار لوحة فسيفساء ورصّ قطع لوحة بازل.
بيتٌ وَهِنٌ خربٌ مثل بيت العنكبوت، يظنّ أنّه كبيرٌ بتصيّد الصغار، إلى أن تمزّق شبكته صاحبة قلبٍ كبيرٍ ليس كأيّ قلب، لا يعلم أحدٌ في الكون بعدُ عن حجم عقلها شيئاً.
كم مرّةً في الحياة ظننت أنّك صيّادٌ ماهرٌ فخيّبتْ ظنونك عينا فتاة؟
كم مرّة ضَرَبَتْ فيها أنثىً ذكيةٌ بنباهتك عرض الحائط؟
هل تذكر كيف حسبت عبثاً أنها تعلق في مصيدتك وتلتصق بشبكتك وتتعلق بك؟
مثل تلك، هي التي قامت بمحوك أولاً ومحو شبكتك من الوجود ثانياً وأفقدتك الرغبة والقدرة على نسج أي شبكةٍ جديدةٍ يراها الرائي حريريةً لأوّل هزيمة.
أبهاهُنّ عشقها روحُ روحِها وقصّة عمرها، تجمع أنواع العشق جميعاً جمعاً واحداً مذهلاً طيباً مباركاً فيه، كإعلانٍ تجاريٍّ برّاق <<خمسة في واحد>>.
عشقٌ سحريٌّ تخدّرك حلاوة كلماته، سخيٌّ تعطرك فيه بعطرها ليلةً بعد ليلةٍ بلا خجلٍ بلا مللٍ حتّى يطلع الصباح.
حسناءُ كلّما طلعت على الكون الشمس داعبتها قائلةً: أنا من أُشرق الآن عليكِ فضعي نظارتك السوداء حتى لا أُؤذيك بلهيبي، أنا لا أرحم من يحرقني، فدعي بيننا مسافة أمانٍ تسلمي وأسلم، ولا نندم.
تُفقدك صوابك أحياناً، تجعلك كمعصوب عينينٍ يدور في دائرةٍ مُفرغةٍ ويتبع صوت قلبه، ينتظر أن تترفق بحاله وبدورانه حائراً حول نفسه، أن تتلقاه بين ذراعيها وتحتضنه مرة واحدة فقط، واحدةٌ أبديةٌ لو تكرَّمَت، لا يفلتها بعدها أبداً، مهما فعل ومهما فعلت، أن ترفع عن عينيه تلك العُصبة، أن تفاجئه بقبلةٍ يشتهيها قلبه، ذكيةٌ نبيهةٌ لمّاحة، لا تفعلها، إلا في الأحلام، بعض الأحلام.
تذوب فيذوب، تنكسر فينكسر، يقرمشها فتقرمشه، ترسم له كلّ يومٍ وليلةٍ ألف بيتٍ وبيت، دون أن يسكنا معاً أيّة بيتٍ ولو ساعةً واحدة.
عشقٌ لذّته في ألمه، قربه في بعده، قُبلاته بين كلماته، عناقاته بين عباراته، عشقٌ لم يعرف مثله الزمان، ولا يعرف، عشقٌ اسمه الشآم، ولا شآم على مرّ الأزمان والأكوان مثلها، نقطة انتهى.