ثُمَّ ماذا؟
ثُمَّ ذات لُطفٍ من ألطاف الرَّحمن تكون كُن.
===
هذه العبارة أغلى ما كتبتُ على قلبي، وحدنا نتذكّر مشاعرنا لحظة خطّها الأُولى، قد ننسى الشعور يوماً، ولا تَنسى ولا تُنسَى الحروف.
14-2-2021
===
رابط المقال في مجلّة عود النّد:
لا وصفَ يُعرّفه ولا تعريفَ يَصفه
ثمّ ماذا؟ ثمّ ذاتَ لُطفٍ من ألطافِ الرّحمن تكونُ كُن، ويكونُ الحُب. السكنُ والسكونُ وهدوءُ النّفس وقرارها واستقرارها والسلام. المشاعر الحسّاسة المتردّدة المتمرّدة ما بين مطرقةِ جحيمه وسندان نعيمه. شعورُ متأرجحٌ ما بين التماس الورع والرهبة والهيبة أثناء محاولة التعبير برقّةٍ لوصف أحاسيسه المرهفة وبين إدراك المرابط على الثغور.
إنه اختلاس دقائق معدودة من السعادة لالتقاط الأنفاس بعد هرولةٍ طالت، ترجو بلطفٍ خفيٍّ سُكوناً للجنديّ المجهول، واستراحةً للمحاربِ النبيل مصانةً بالقيود والحدود: لا تأخذ منه شيئاً ولا تُخيف، بل تشحنه وتُلهمه وتدفعه للمضي بعزمٍ وقوةٍ وثباتٍ نحو المجد بنَفسٍ مُنعَشةٍ وأنفاسٍ متوقّدةٍ أثبتَ وأجلدَ وأسعد. لحظةُ حبٍ طهور تمنحه الكثير ليعطينا الأكثر.
شعور نرفع فيه الراية البيضاء، وليس الحمراء. ننادي في الأكوانِ بأن الحبّ النقيّ المشروع لم يكن يوماً ولن يكون أبداً حكراً على أحد. إحساسنا بهِ ليس من خوارمِ المروءة، شاء من شاء وأبى من أبى.
الحبّ لا عمرَ له، بل إن أعمارنا تُقاس بالحبّ. لا زمانَ ولا مكانَ ولا قوانينَ واضحةً بعد تصفُ سرّ انجذابنا إليه، ووقوعنا فيه وقعتهُ الجميلة، وفشل جميع محاولاتنا في التملّص منه والهروبِ بعقولنا من قلوبنا إليه.
إنّه الضّربة الحازمةُ على الصّدر بقوةٍ وشدةٍ وردعٍ تنبيهاً وتوجيهاً، وتأنيباً وتحذيراً من العقل إلى القلب ألا ينجرف، تذكيراً بالعواقب والمسؤولياتِ المُحاطة به والمترتّبة عليه، وتذكرةً بالوعودِ المبرمةِ والعهودِ المختومةِ الموثّقة ألا نَسمح ولا نُسامح ولا نجرّب.
لكننا رغماً عنّا أو ربّما بإرادةٍ منّا ننجرف، كالمغناطيسِ ننجذبُ وننجذب، ونضيقُ ذرعاً من تصدّعِ نبضاتنا وتفلّتِ خفقاتنا.
الحبّ الحقيقي لا تعدادَ له. ليس بأول ولا ثانٍ ولا آخرٍ ولا أخير. سحرٌ يباغتكَ بالغاً عاقلاً راشداً على حين غرّة. لا وصفَ يُعرّفه ولا تعريفَ يَصفه. غنيٌ عن أيّ تعريفٍ يُنصفه.
ارتطامُ حياتينِ مُتعاكستين بقوةٍ على حين دعوة، ولحظةُ تأمّلٍ وذهولٍ تُحاول فيها ألا يسمعَ أحد فضيحةَ نبضاتِ قلبك.
لقد خرجت عن السيطرة بلا ميعادٍ يا زبرجد. ثانيةً زبرجد! مَن زبرجد؟ والله لا أدري أنا أيضاً بعد. ربما كان الصديقَ الافتراضي الذي أرسل إليه الرسائل منذُ أعوام. لا تصل. ولا يتّصل. ولم أتلق رداً واحداً بعد. ولا أظنني أتلقّى، فكلانا سراب.
شعور الحبّ هو بيانُ الحرب بين هؤلاء وهؤلاء. هو الشفافية واللّطف المتناهي، وبلاغةُ الذوق العامّ العالي. هو الهدايا والورودُ والعطور. هو الأقلامُ والأوراقُ والأغاني والموسيقى والمواعيدُ الواعدةُ والرسائلُ المؤجّلةُ والمفاجآتُ المخبّأةُ والذّكرياتُ المحبّبة.
هو الشعورُ الرّزينُ الذّي يضمُّ بين جنباتهِ جُلَّ مشاعرنا في يومِ الوطنِ ويومِ الأمّ ويومِ الأبِ ويومِ المعلّمِ ويومِ التخرّجِ ويومِ الصّداقةِ ويومِ الشّجرةِ ويومِ العيدِ ويومِ الحريّةِ ويومِ الصحّةِ ويومِ الصّحوةِ ويومِ الإنجاز ويوم العودة ويومِ الزفافِ إلى من نحبّ ويومِ الرّحيلِ عمّن أحببنا.
كلُّ يومٍ ذو قيمةٍ في الحياة هو يومُ الحبّ. اليومُ الذّي يُسمعُ فيه الصوتُ وتقرأ الكلمةُ من بُقعةٍ على الأرض لم تَزرها يوماً ولن تفعل هوَ يومُ الحبّ. اليومُ الذّي فيهِ لا نكبر، بل نصغرُ ونصغرُ ونصغر حتّى تنعدمَ المسافاتُ بينَ أعمارنا، حتّى تلتقيَ أرواحنا بمحضِ الصُّدفة.
هو العطشُ لرشفةٍ من مَنهلِ الشّعور الجميل، والحنينُ لشمِّ عِطرهِ، ولمسِ يديهِ والسّكونِ إلى دِفئه.
هو الحاجةُ الملحّةُ أن نقرأَ حرفهُ ونتأمّلَ ضحكتهُ وصوته كي ننعشَ أرواحنا به ونشحنَ طاقاتنا منه. أن نطبعَ بدفءٍ قُبلتين أنيقتين، الأولى على ظهر الكفِّ اليمين، والثانيةُ بين العينين على الجبين. أن نلتقيَ به. نضمُّهُ الضَّمةَ الأُولى والأخيرة، ثمَّ نفترق. نمضي ويمضي، ولا ندري بعدها متى يتجدّدُ اللّقاء.
هوَ سِلمٌ وسموٌ ونقاءٌ وشفافيةٌ وطَهارة. إنه شامةُ الجَمال على الخدّ الأيسر وفوق النّحرِ ما بين الكتفين.
إنّهُ ختمُ الحياة. سحرُ الكون. بهِ نستمر، بل بهِ نعيش. كيفَ لحرفينِ أن يملكا سحراً فريداً في الحياة؟