بعض الأيّام طعمها “مْحَيَّرْ”!
فريدةُ المذاق،
كالسفرجليّة واللّحمة بكرز واليبرق.
الحلبيات جُنّ جنون ابداعهنّ الطبخيّ يوماً، فدمجن اللحم مع الفاكهة وصنعن طبقاً “فاخر عالآخر”، بمزجِ الأحمر بالأحمر.
ويبدو أن الجنون مستمرٌ وسيستمر إلى يوم القيامة.
يُحكى أنّ نبيهةً منهن يوماً أرادت مُراضاة العنتر، فسحرت لُبّه بطبخ الباذنجان بالسّكر.
كنت أستعجلُ أيام العمر وبسمةٌ مريحةٌ تُرافقني عند كُل نهاية يومٍ أُبرر لنفسي فيه التقصير بأعذار المغتربين!
أصابني الغرور،
فنحنُ نمتلك معجم أعذارٍ خاصاً بنا.
كانت أيامي تبدو سهلةً خفيفةً لطيفةً لا تحتاج لترجمان، أيامٌ عادية عابرةٌ عاجزةٌ تتمنى على الله الأماني في الحياة أنها ستحصلُ في النهاية على مقعدٍ في الجنة بطريقةٍ مّا، بعشوائية مّا.
إلى أن وصلت الثالثة والثلاثين، وحدث أن تلك السنة من عمري انتزعت قلبي من بين أضلعي، مضغته، ولفظته، وكأنها تستحلفني أن لا أنسى عمري في عمري بعد اليوم.
تلاشت البسمة، راحت السكرة واجت الفَكرة، تعرّت غفلتي وأخطائي وعثراتي حتى لم يبق عليها سِتر مغطى، وفي لحظةٍ موتٍ تذكرتُ “الخلفا والحلفا”.
في ذلك العام، نادى مُنادٍ نبضه قلبي نداءً جاب الكون سبعين مرّة!
:اللهم لك حاولت، ولظى التغيُّر والتّغيير تحمّلت، اشتدّ الظمأ، ونشفت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله.
ربما أرق مضجعي التساؤل ألف مرة: هل يقف المغتربون مع الأعراف يوم القيامة؟
وُلِدَتْ في الغربة، عاشَت في الغربة، ويوم تموتُ ثمّ تُبعثُ حيّةً فمن الغُربةِ أيضاً.
جُرّعنا الحنين وكان الصبر ما وجدنا عليه آباءنا، ورثنا نهجهم وبعضاً من عاداتٍ قليل.
كم كان موجعاً أن نعزف سمفونية الشوق من اليوم الأول إلى اليوم الأخير.
سوريّةٌ دمشقيةٌ (دوميةٌ) لأمٍ حلبية، لم تفهم يوماً ولن تفهم أبداً كيف تبيع الشاميّاتُ العُمرَ مع كل الحب بلفظة: تؤبرني.
لقد كانت الغربة لكل مغترب في الكون على مر الزمان قبر ذكريات ٍ وطعنةً في الروح، بل أكثر، أكثر وأكثر يا وطني.