انه عام ألفين وواحد وعشرين، فتحت علينا شبكات التواصل الاجتماعيّ أبواباً لم تكن في الحسبان، ذلّلت لنا صعاباً كثيرة، وكادت أن تورّطنا في مشاكل أكثر.
تعوّد أهل مدينتي فيما مضى أن ننادي الغرباء عنّا بصيغة “الجمع” أدباً، وإن كنتُ لا أقتنع بكلّ ما وجدنا عليه آبائنا.
يقول تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
ويبدو أن هذه المنصّات احدى أشكال التعارف بين الناس.
نتعرّف يومياً على أقلام جديدة هنا، تقف وراء أصحابها شخصيّاتٌ كثيرةٌ لها أهدافٌ متنوعة في الحياة.
بعضنا يستخدم هذه المنصّة استخداماً عشوائياً، النّاس فيها على أحوالٍ متباينة ما بين حامل مسكٍ ونافخ كير، وخلف الكواليس كثرٌ يرجون تجارةً لا تبور.
بشكلٍ مّا، تجبرنا تحرّكات النّاس اليومية رقميّاً أن نرسم ملامح لطريقة تعاملهم مع البشر على أرض الواقع.
نكشف ما نريد من شخصيّاتنا لهم، وكثيراً مّا نرسم لنا الشخصيات التي كنّا نتمنّاها ولسنا عليها، وكثيراً ما نكتشف أن لا أحد على حقيقته هنا.
رسائل شتىً، بعضها رسائل دردشة، والآخر أسئلة طلب علمٍ حسب التّفرغ توسّع الآفاق وترتقي بالبشر.
يتمّ التعارف الافتراضي، أحياناً لا تخفي نفسها الرّغبات المبطنة، لا تخفي نفسها أبداً.
البعض تحوّل تواجده الدائم فيها إلى رغبة ملحّة، تكاد تشبه حبّة دواء لا ينبغي أن يمرّ يومٌ بدونها، يبدو مخيباً للآمال أنّ صديقاً حقيقياً واحداً يعدل ألف صديق افتراضي ولكننا نتغافل أحياناً عن تلك الحقيقة في ألف باء الصداقات.
ما أهنأ أن نتعارف تعارفاً مثمراً فيه كتبٌ قيّمة، لا بدّ أن تكون كلّ العلاقات مُثريةً للمتعارفين مثل ذلك.
البداية ككل البدايات محيّرةٌ دوماً، الاطمئنان لصديقٍ أصعب من البحث عن طبيب.
رسولنا الكريم يقول أنّ خير النّاس أنفعهم للنّاس، يا سعدَ من يرزقه الله صديقاً خيّراً.
فكرة أن يكون لدينا خمسة آلاف صديق ليست منطقية، فنحن على أرض الواقع لم نملك حتى خمسين خلال الخمسين الماضية، ولا خمسةً حقيقيّين حتى!
ليتهم أعطوها مسمّىً معقولاً غير “صديق”، لتبدو منطقيةً أكثر، ليتهم!