لديَّ صفةٌ غريبة، أو بوصفٍ أدقّ، صفةٌ غريبةٌ أُدركها من بينِ عشراتِ الصّفات الأغرب.
أنا منذُ زمنٍ أقعُ في عشقِ الأقلام، وقعةَ من لم يُسمَّ عليه كما يقولون.
لا يعنيني اسمك، أو شهرتك، أو انتقاؤك أصعب الكلمات لِتُثبتَ لي أحقيّتك في وصول ابداعك إلى قلبي.
أنا أقع في غرام الحرف بما تعني الكلمة، حين تنعى أحدهم.
أحبّ روح الانسان حين ترسمُ حرفاً يذرفُ عشقاً غادر دُنياه بلا رجعة، الناس حين تكتب بألم، تُصيب قلوباً في مقتلٍ دون أن تدري.
الأغرب أن تلك النصوص تأبى أن تغادرني وإن غادرتها، تتشبث بي بازعاج طفلٍ تتمنى أمّه أن ينام، أن ينام فقط،، حتى اذا ما نام، عادت لتتفقد شيئاً مّا لديه.
أنا في عُمرٍ سئٍ حقاً، في داخلي أشياءٌ لا تنام، أشياءٌ لا أفهمها، وحدها أمّي من دون الكون تعيها فقط، تُحيطُني دعواتها حمايةً صباحَ مساء.
اللهم احفظ على ابنتي عقلها كي لا تُجن، تغمرني فهماً، نوراً وحلماً.
من مثلُ أمي؟ تفهمنا من نظرة، من ثنيةِ جسدٍ والتفاتةٍ نحو الحائط تُداري دمعاً لا تُريدُ الأمُّ من الأمِّ أن تراه.
بالأمسِ ماتَ أحدهم، لم أعرفهُ إلاّ من نعوته، مشهورٌ جداً، لكن الوقت لم يعد يتّسع لمعرفة جميع المشاهير، قضيتُ ليلتي أقلّب كتاباته وصوره، كيف لم أعرفه من قبل؟
قلتُ في قلبي، هكذا أريد أن يراني الناس حين أعيش وحين أموت، جميلةً مُشرقةً مُعطّرةً بالحبّ سبّاقةً إلى الخيرِ ياسمينة، لا أُخفيكم سراً، الحمد لله، لقد أصبح لديّ جيرانٌ كُثُرٌ في الجنّة سبقوني إليها، كثيرٌ منهم لم أحظ بفرصةِ لقائهم وعناقهم في الدنيا قط.
أحياناً أهذي مع نفسي لأُواسي حدّة الشوق: لديكِ في الجنّة برنامج تواصلٍ اجتماعيّ معهم لألف عام أو أكثر.
هل أحدّثكم، عن صفةٍ غريبةٍ ثانية أملكها، بل تمتلكني.
أنا أعزّي شوقي فأخالُ رسائلاً تصلني من البرزخ كلّ يومٍ بل كلَّ ساعة، يشتاقون لنا كما نشتاق لهم.
قد تكون الرسالة في كلمَتَي: صباح الخير، من شخصٍ لا تعرفه أبداً وأنت في قمة توترك، فتحول نهارك العادي لنهارٍ جميل.
وقد تكون في سيارةٍ تقف على حافةٍ الطريق ذات يومٍ ممطر نسيتَ فيه مظلّتك القديمة: اصعدي لأوصلكِ، ستمرضين.
توافقين دون تردد، لأن الدقيقة المتبقية لوصولك وطرق الباب كافيةٌ جداً لتلتقطي برداً يطرحكِ اسبوعاً كاملاً، تشكرينه، تُحمّلينه عشرات الدعوات، وفي داخلك شعور يتمنى لو أنها كانت رسالة، رسالةً من البرزخ.
قد يحدثُ ذات عُمرٍ أن يهتمّ برسالتكَ أحدهم على غيرِ ميعاد، أن يُشارك جُزءاً من حلمك جُزءاً من يومه، لا يرجو منك جزاءً ولا شكوراً، ثق تماماً أن أمّك دعت لك يوماً مّا: اللهم سخّر لهُ جنود الأرضِ والسماء.
أحبُّ في حياتي، أن أكون من جنود الأرض، حتى أصعدَ إلى السماء، أن أقف على الثغرات وأحميَ الحمى، وأن أصنع كلّ يومٍ ذكرى جميلة، جميلة جداً، جميلةً كإيمان.
بقيَ أن أقول، إلى أحدهم هناك، اشتقتُ إليكَ كثيراً، وأعلمُ علمَ اليقين، أنّ كلّ شوقكَ إلى أمّي.
اللهم جنّتك التي وعدت.