لقد كان يوماً طويلاً ثقيلاً تجرُّ ساعاتهُ دقائقها جرّاً، يومٌ يضجُّ بصخب الذكريات، يفصل بين الأمس والغد، بين الحياة والموت، يومٌ يذكرنا أن اللعبة انتهت، وأن الحساب ينتظر، أن الجنة اشتاقت إلينا، وأنه لا جنة تدوم في الدنيا مهما حاولنا، استحالة.
تُرعبني حقيقةُ أننا لا نخجل، أننا نعد أنفسنا وعوداً جبارةً كل موت، ننسى، يُغافلنا موتٌ جديد، يصفعنا بقوة أكبر.
كيف نسيت؟
كيف نقضت الوعود؟
بأن تصبح علاقتك بخالقك وخلقه أفضل.
ما بال هذه الأيام تحمل بين لياليها موتاً بعد موت؟
مرةً لصغير صغير، وثانية لكبيرٍ كبير، وأخيرةً لحبيبةٍ حبيبةٍ حبيبةٍ.
صفعَتُهُ هذه المرة كانت متواليةً لعدة ليالٍ، حتى أن أثر أصابعه الخمسة على خدي يحرقني أكثر مما يُخجلني.
ذات صباح، يبدؤ عامك الأخير، ستعيش الاثني عشر شهراً الأخيرة، شهراً بشهرٍ وساعةً بساعة.
ستعيشها بشغفٍ كما لم تعش من قبل سيكون صيفك ربيعاً، وشتاؤك ربيعاً أيضاً، ولن أشرح.
تتمنى لو أن حياتك كانت جميعها بجمال هذا العام الذي لا يحسُّه أحدٌ إلاك، تودعهم دونما شعورٍ منهم، تحتضنهم حضناً يحاول على استحياءٍ أن يكفيهم عناء الشوق لك عشرين أو ثلاثين عامٍ قادمة، ربّما أقل، وربّما أكثر.
العالم يضج من حولك، صدقاً انهبلت (إن صحّ القول) طائفةٌ كبيرة من الناس، لقد غدى الكون من الوفرة أشعثاً أغبراً تبدو عليه ملامح السفر، لا تضق ذرعاً بهم، لا تختنق منهم، لا تبالِ بكثرة المصفقين والمطبلين والمزمرين، ركز على طريقك تصل وأصل، ونتعانق في الجنة عناقاً يعطرّ السماوات السبع وصولاً إلى سدرة المنتهى.
لطفاً، فضلاً وكرماً، لنعشها معاً بما يرضي الله حتى نلقى الله، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
= = =