إنها الثالثة وخمسٌ وأربعونَ دقيقةً فجراً، لقد مضت ثمانيةٌ وأربعونَ ساعة، أخبرتُ فيها وحيدتي أن فوضى مشاعرنا في الساعات الأولى من العُمر تتكرر ذاتها بعد مغادرته بسلامٍ إلى حدٍ ما، شبّهتُها لها ب:”وترى الناس سُكارى وما هُم بسُكارى”.
ساعاتٌ من الصمت والذبول، تحفُّها الدّهشة والصّدمة، ومعاتبةُ النّفسِ والرّهبة.
حكيتُ لها كيف أنّ مخاضَ الولادةِ يُشبهُ الاحتضار بشكلٍ أو بآخر، ألمٌ عند القدوم وألمٌ عند الرّحيل.
ساررتُها لأوّل مرّة، عن شعوري مساءَ ولادتها، حين أخبروني أنّ الطفلة جائعة: حاولي أن تُلقميها صدرك، أن تُشاركيها بعضك، أن تُقاسميها عمرك.
كيف يتحول ذلك الكائنُ الصغير الطُفيليّ الضّعيف المُزعج المُنهَكُ المُنهِك، إلى تُفاحةِ القلبِ ورُوحِ الرّوحِ ونورِ العين؟
كيف نعدّ الساعات الأولى من عمره، عمرها يومان، أسبوع، سنة ونصف، خمسة عشر، ثم قد ننسى التاريخ !
ذاتُ الكائن بعد ستين عامٍ يلملم الذّكريات استعداداً للرّحيل، يرحل، ونعدّ الساعات من جديد .
توفي البارحة فجراً، منذ أسبوع، منذ ستة أشهر، ربما من خمسة أعوام، ثم ننسى التاريخ أيضاً، لكننا لا ننسى الدعاء .
ربّما أُعاني من أزمةِ منتصف العمر فجأةً هذه الأيام، تربكني حبّة الفيتامين التي أتناولها قسراً، تستفزّني حاجتي لوضع المرطّب عدّة مرات في اليوم لأتحدى تقشُّر كفيّ المبكّر كَجدّة، والذي لا يروق لي، لا أعرفُ تمامًا كيف ستكون المواجهة، ولا أتخيلُ الشعور حين أعثر على أوّل شيبة، بل ربّما لا أريد أن أعرف.
تلك الفتاة تكبرُ رغماً عنها، تُعزّي العمّ الذي لطالما هزّ مرجوحة طفولتها في الحديقة بوفاة زوجه، فيُعزّيها بأبيها من جديد، تلك الفتاة تسأل الله أن تلقى الله بقلبٍ سليم.