بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي حبيبي، مهجة قلبي وقرة عيني، ووجع قلبي الذي لا ينتهي ما دُمت بعيداً.
كيف حالك، كيف صحتك، كيف يبدو شكلك هذه الأيام يا أمي.
طمئن شوق قلبي المتعب يا صغيري، فأنا إليك أشتاق صباح مساء.
وأشهد الرحمن أني عليك وعلى زوجك وذرّيتك راضيةٌ ما تعاقب الليل والنهار.
وراضيةٌ بقَدَرِ الغربة كُتب علينا، فما حبسنا عن الحنين والدّعاء حابس إليكم، ومحلّنا حيثُ الذكريات تحبسنا!
أنا بخير ما دمتم بخير، صحّتي جيدة، أدعو لك كلّما صمت اثنيني وخميسي أن يرزقك الله سعداً لا يُعدّ ويبلّغك مجداً لا يُهدّ، وما زلت بكرمٍ من الرحمن أصلّي
قائمة، لا أقعد الله لك أمّا ولا كسر لك قلباً ولا شغل لك بالاً ولا حمّلك همّا يا أميمة.
تبلغُ الخامسةَ والخمسين بفضل الله، وتبلغ والدتك الثالثة والسبعين، لكنّي لا أراكَ إلا صغيري الذّي لا يكبر ومُغتربي الذي لا يعود، أحبّ احتفائي بك وكأن
العمر لم ينقضِ سريعاً مُشارفاً على النهاية أترقبها كلّ يومٍ غير مأسوفٍ إلا على فراقك حتى نلتقي في جنة الرحمن بإذن الله ثانية لقاءاً لا فراق بعده.
أي بنيّ..
يقتربُ رمضان، وأتذكّر العيد يا عيدي ووريدي، وأحببتُ أن أستبق الأيام إليكَ مرسلةً عبر القارّات معمول العيد، وبعضاً من مونتنا المعهودة.
أعرف أنّني فقدتُ كثيراً من مهارتي بالخبزِ بحكم السنين، وأعرفُ أنّك لا تحبُّ كلّ ما أُرسل، وربّما لا تأكلونه كلّه، قد كنت منذ شبابك تستحي وأنا أرسلها مع جارنا عبد القادر، وتذكّرني أنكم تملكون في بلادكم كلّ الأطايب، لديكم الزيتون وزيته، والميرامية والمخلل والمربيات وكل البهارات. لكنني يا روح الروح لا أرسل طعاماً! أنا أرسل الحنين، أحبّ أن أتخيلك تأكل قرص المعمول الأوّل وأنت جائع متوتّرٌ تنتظر العشاء، والثاني وأنت على عجلٍ ترتدي حذائك وتبحث عن مفاتيحك ذاهباً للعمل، والثالث بلا سبب إلا لأنك تذكّرتني لحظة صمتٍ وأردت إسكات الشوق بمعمولة أمّك!
حبيبي ولدي، أنا أكبر، أكبر وأكبر، ويكبر كلّ يوم في قلبي حبّك، لا أريدُ شيئاً غير أن تكون بصحّة جيدة على الدوام، وأن لا يبتليك الله بغربة أبنائك كما إبتلاني، فذاك والله ما لا طاقة للأمهات به، عسى الله أن يأتينا بكم جميعاً. رزقك الله حيثما كنت وفتح لك فتوح العارفين، دمت بحفظ الرحمن، الله يرضى عليك يا ماما.