كالياسمين تعطّر ذاكرتي، أشتاق لجنّةٍ نمشي فيها طويلًا، نحكي فيها كثيرًا، ولا نفترق بعدها أبدًا.
* * *
ماذا لو أنّنا علقنا عند عمرٍ ما من الحياة ولم نكبر بعده أبدًا؟
ماذا لو أنّ أحداً نحبه لم يمت أبدًا؟
ماذا لو أنّ الغربة لم تكن؟
وماذا لو أنّ المسافات تطوى طيًّا بلمح البصر؟
حظيت اليوم بفرصة الاستلقاء بهدوءٍ ربعَ ساعة بعد الظهيرة في غرفتي ببيت أهلي، غرفة طفولتي يوم كانت الحياة أُمًا وأَبًا وإخوةً فحسب. لا أحفاد، لا أصهرة ولا كنائن ولا عوائلهم بفروعِ أقرباءٍ جديدةٍ تمتد وتمتد.
كانت أختي هناك أيضًا، تغفو غفوتها اليَقِظة اللطيفة الجميلة كما العادة، تنام وفاء نوم الغزلان فلا تغلق جفنيها كاملاً، ربما كي لا تفوتها من العمر لحظة.
تمنيت لو أن الزمن يعود بنا عشرين عامًا إلى الوراء، ولو أنّ تلك الغفوة كسابق عهدها فاصلةٌ على السّطر تفصل بين عودتنا من مدارسنا صباحًا وذهابنا لدار الذِّكر لتحفيظ القرآن الكريم عصرًا.
تمنيت أن أنزل الدرج لتفقّد صالتنا فأرى والدي مشدود الانتباه بعد الغداء مع أخبار الجزيرة والعربية، بجانبه برتقالتان وسكّينة.
ماذا لو أن العمر توقف هناك قليلاً بعد؟ ماذا لو؟
خمسٌ مضت، لم أعتد خلالها رحيله بعد! كم مرّت فيها أيامٌ ثقالٌ طوالٌ تمنيت ولو لساعةٍ إضافيّةٍ صوته وجوده ووُجوده.
حيّا الله أولادي في هذا العمر الجميل، حيّا الله أحمد وإيمان هديةً من الرحمن وقرة عينٍ في الدنيا والآخرة.
ربما كان الحمل ثقيل والدرب طويل، فاللهم إنّي أسألك عونًا وقوة، اللهم قوة.
“لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمْ ۗ”.
سورة الحديد
رفعتُ الأقلام وجفّت الصحف.
2/7/2020