علمتني الحياة أن أتعامل مع الشوق بِرِضاً فالشوق مستمرٌ في حياة المغتربين لا محالة.
كلّ يومٍ نحنُّ لأحبة، ونفتقد أماكن، وتشتاق أشواقنا لشيءٍ ضبابيّ النكهة لا نفهمه.
يوماً مّا، تتفاقم أشواقنا ونصير معها إلى حالٍ يُرثى له بمعنى الحرف ومرارة الشعور.
لأنّنا غداً أو بعد غد، سنشتاق لهذا اليوم السّمج بالتّحديد! ولهذا المكان، ولمن كان معنا فيه أيضاً.
الحنين: طفلٌ صعب المراس، نحتاجُ تهذيبه بين حينٍ وآخر حتى يتعافى بنا، علينا الاستعداد لنوبات غضبه المباغتةِ لنا حتّى نتعافى معه منه، لا بدّ من التمرّن على احتوائه بحكمة، كي لا يُحمّلنا ما لا طاقةَ لنا به.
حينما يقعدك الشوق تصبّر، تذكّر بأنّا عمّا قريبٍ راحلون، وتفكّر بأن الشوق الأغلى والشوق الأحلى شوقنا لموطننا الأول والأخير، لجنّةٍ تكتحلُ فيها العيون جمالاً برؤية الملك الرّحمن صبحةً وعشيّة.
حين يكلمك الحنين، قم من فورك واحمد الله على ما حولك، وتأكّد أنّ بعض ما تشتاق إليه موجودٌ أمام عينيّ غيرك زاهداً فيه لا يعير له انتباهاً ولا اهتماماً.
وحده الحنين، يُعملِقُ حجم الأماكن والعطور في ذاكرتنا وذكرياتنا وإيحاءاتها واعتباراتها.
كم نحن ضعاف، نشتاق لمن تحت التراب، نشتاق صباحَ مساءٍ لأرحامنا المهاجرين في شتّى بقاع الأرض، نشتاق أبسط التفاصيل التي كانت تجمعنا بهم، وندرك أن لا لقاء.
رحم الله المتنبي كم كان بليغاً:
نعم أنا مشتاقُ وعندي لوعةٌ
ولكنَّ مِثلي لا يُذاع لهُ سرّ
آهٍ منه، يسلبنا راحتنا ويشغلنا عن ما بين أيدينا وأمام أعيننا.